المدينة - السعودية "الفقهاء الذين قالوا بجواز زواج الصغيرات بنوا حكمهم على مفهوم خاطئ ل (واللائي لم يحضن)" نظام الحماية من الإيذاء وزواج القاصرات(1)تطرق نظام الحماية من الإيذاء في تعريفه للإيذاء إلى الاعتداء العاطفي للمرأة والطفل الذي يضر بصحتهما النفسية وإحساسهما بقيمتيهما الذاتية، وهذا يعني أنّه يدخل زواج القاصرات ضمن الإيذاء الواقع عليهن باعتبارهن طفلات لم يكتمل نموهن العاطفي والنفسي, بل ولم يكتمل نمو أجسادهن لتحمّل الحمل والإنجاب, ممّا يضر بصحتهن الجسدية والنفسية, فزواجهن قبل إتمامهن سن ال 18 يعد اعتداءً عاطفيًا, ونلاحظ أغلب هذه الزيجات لطفلات في حضانة آبائهن مطلقات أمهاتهن, ويتم تزويجهن من مسنين مقابل مهور مرتفعة ليسد بها الآباء ما عليهم من ديون, أو لتمويل مشاريع لهم, دون علم أمهاتهن نكاية بهن, ويتذّرع الآباء بذرائع دينية تبرر فعلتهم كتزويج أبي بكر رضي الله عنه ابنته عائشة رضي الله عنها في التاسعة من عمرها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الخمسين, كما نجدهم يستندون على مفهوم خاطئ لقوله تعالى:(وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيض مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ اِرْتَبْتُمْ فَعِدَّتهنَّ ثَلَاثَة أَشْهُر وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْن)[الطلاق: 4.] لقد فسر بعض المفسرين مثل الطبري وابن كثير(واللائي لم يحضن) بالصغار اللائي لم يبلغن سن الحيض، مع أنَّ هذه الآية خاصة بالنساء، وليس الطفلات, فهي معطوفة على(من نسائكم)، فلو كان المقصود بالصغيرات لجاء قوله تعالى(والأطفال اللائي لم يحضن)، فكلمة طفل وردت في القرآن، وأطلقها جل شأنه على الذي بلغ الحلم في قوله( وإذا بلغَ الأطفالُ منكُمُ الحُلُمَ فليستَأْذِنُوا كما استأذنَ الَذين من قْبلِهِم) [النور:59], فهناك نساء لا يحضن لعلةٍ فيهن, وقد أوضحت استشارية أمراض النساء والولادة الدكتورة لمياء السباعي في برنامج «حياتنا» الذي أذيع على الهواء مباشرة من القناة السعودية الأولى يوم الأربعاء 18/3/1434ه الموافق 30/1/2013 معنى (واللائي لم يحضن) عندما طلبتُ منها توضيح ذلك؛ إذ كنا معًا ضيفتى البرنامج, فقالت:" يوجد نوعان من انقطاع الحيض: انقطاع أوّلي, وانقطاع ثانوي, فالانقطاع الأوّلي التي لا ترى الحيض البتة, وذلك لعيوب كرزومية، أمّا الانقطاع الثانوي, فقد تشهد حيضة أو حيضتين, ثم تنقطع عنها» هذا ولا ننسى أنّ هناك نساء ينقطع عنهن الطمث طوال فترة إرضاعهنّ, وهكذا نجد أنّ ( واللائي لم يحضن) لا تعني البتة عدة المطلقات الصغيرات اللائي لم يحضن، وهذا يؤكد لنا أنّ الفقهاء الذين قالوا بجواز زواج الصغيرات بنوا حكمهم على مفهوم خاطئ ل(واللائي لم يحضن) ونجد بعضهم يستدل بزواج الصغيرات، بل حتى الرضيعات بما أورده الإمام السرخسي في المبسوط( باب نكاح الصغير والصغيرة)،والإمام السرخسي ذكر مرويات لم يوضح مدى صحة سندها، بل ثبت ضعفها, وإباحة زواج الرضيعات يتعارض مع قوله تعالى:(وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا) وتعني(إذا بلغوا النكاح) بلوغهم السن الذي يؤهلهم للزواج، ويؤكد هذا قوله تعالى(فإن آنستم منهم رُشداً فادفعوا إليهم أموالهم) فإن كان اليتامى لا تدفع لهم أموالهم حتى يبلغوا سن الرشد فمن باب أولى ألاَّ يُزوَّجوا حتى يبلغوا سن الرشد. وقد أشار السرخسي في المبسوط، في كتاب النكاح، باب «نكاح الصغير والصغيرة» الى الحكم الفقهي للإمام أبي حنيفة، وهو إذا اختار الصغير والصغيرة الفرقة بعد البلوغ فلم يُفرِّق القاضي بينهما حتى مات أحدهما توارثا» أنَّ أصل النكاح كان صحيحاً ،والفُرقة لا تقع إلاَّ بقضاء القاضي" إذاً لابد من بلوغ الصغير سن الرشد حتى يحق له الطلاق، وهنا يتضح لنا أنَّ زواج الصغير غير جائز حتى لو بلغ الحُلم، لأنَّه لا يزال فاقد الأهلية، ولابد من بلوغه سن الرشد حتى يحق له الطلاق. أمّا عن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بالسيدة عائشة رضي الله عنها وهي ابنة تسع سنوات, فلم يرد حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم يُحدّد سن السيدة عائشة عند زواجه بها, وكل ما ورد من أحاديث بهذا الشأن مروية عن السيدة عائشة, واختلفت الرواية في تحديد عمرها رضي الله عنها عند خطبتها وزواجها برسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أوجه هي: أنَّ عمرها ست سنين، وأنّ عمرها سبع سنين، ورواية الشك" ست سنين، أو سبع", وقد ثبت ضعفها للأدلة التالية: 1.تناقضها في رواياتها. 2.ضعف في رواته: منهم: سفيان الثوري: فقد جاء في تهذيب التهذيب:" قال ابن المبارك: "حدَّث سفيان بحديث فجئته، وهو يدسه، فلمَّا رآني استحى، وقال: نرويه عنك". وهيب بن خالد بن عجلان الباهلي، قال في التقريب:" ثقة ،ثبت ،لكنه تغيَّر قليلاً" علي بن مسهر القرشي: قال في التقريب:" ثقة له غرائب بعدما أضر." حمَّاد بن أسامة بن زيد القرشي: قال ابن سعد: "كان ثقة مأموناً كثير الحديث يُدلِّس ،ويُبيِّن تدليسه."[تهذيب التهذيب 4/3،وطبقات ابن سعد 6/394،ميزان الاعتدال 7/ت 2235] هشام بن عروة كان صدوقًا في المدينة, ولما ذهب للعراق بدأ حفظه للحديث يسوء, والإمام(مالك)قال:" إنّ حديث هشام بالعراق لا يقبل"، فإذا طبقنا هذا على الحديث الذي أخرجه البخاري لوجدنا أنّه محقق، فالحديث لم يروه راوٍ واحد من المدينة، بل كلهم عراقيون ما يقطع أنّ(هشام بن عروة) قد رواه بالعراق، بعد أن ساء حفظه؛ لذا فإنّنا لا نجد أي ذكر لعمر السيدة (عائشة) عند زواجها بالنبي في كتاب (الموطأ) للإمام مالك، وهو الذي رأى وسمع (هشام بن عروة) مباشرة بالمدينة، فكفى بهاتين العلتين للشك في سند الرواية في البخاري, وذلك مع التأكيد على فساد متنها- نصها -الذي يتأكد بالمقارنة التاريخية التي سأتحدث عنها في الحلقة القادمة إن شاء الله. [email protected]