عرّف القاموس «الورم» بالانتفاخ والتضخم، وفي الطب يعني مجموعة أنسجة متورمة تنتج من تراكم خلايا غير طبيعية بسبب نمو غير طبيعي. والتشابه بين البالونات المتورمة المتعددة الأشكال ومشاهير فلس المحتوى الهابط يكاد يتطابق من حيث بدايات النفخ، ولفت الانتباه، ثم الاختفاء مع بقاء الأثر السيئ. ويتوهم أولئك أنهم نجوم المجتمع باستعراضاتهم المخجلة، وسماجة حياتهم المستعارة، وغاب عنهم أن النجوم المتلألئة هم أبناء وبنات وطننا الذين جعلوا خدمة بلادهم ومجتمعهم هدفا وطموحا في حياتهم، وقدموا في الداخل والخارح إنجازات، إدارية وعلمية وإعلامية وتعليمية وفنية ورياضية واقتصادية، وستبقى أسماؤهم وأعمالهم حاضرة في قلب كل مواطن، وعناوين مضيئة في ذاكرة الوطن، وقدوة للأجيال. ومن الواجب على وسائل الإعلام والمجتمع عدم المقارنة مطلقا بين من يتسولون الشهرة على عتبات وسائل التواصل وبين القامات الوطنية، وكأن الشاعر المتنبي يُحذر من ذلك حين قال: «ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا». واليوم يأتي دور مجتمعنا لمكافحة توغل ظاهرة المحتوى الهابط، والحث على عدم متابعة أولئك، ورفض كل ما يبثونه، وهو ما أكده وزير الإعلام سلمان الدوسري، خلال حديثه لبرنامح «الليوان» في شهر رمضان الماضي. وقال : «نحن ضد التباهي بمظاهر الثراء الزائف على مواقع التواصل، ولدينا سقف، والمجتمع مسؤول مع الوزارة عن محاربة المحتوى الهابط، وأفضل عقوبة لهم هي رفض وترك متابعتهم من الجمهور». وأرى أنه قدم الحل الناجع والسريع. وهنا تأتي أهمية التعاون بين الأسرة و المدرسة والإعلام، للكشف عن هشاشة أولئك، وأنهم ليسوا قدوة في أعمالهم وأقوالهم، وحان الوقت للكف عن متابعتهم. فكم من مشاهير فلس في عصرنا ظهروا يروجون لبضائع كاسدة، ومستويات معيشية زائفة، ومقولات فارغة، سلبوا معها محاسن نفوسهم، فتساقطوا وهم يطاردون الأضواء كالفراشات، حتى عصف بهم النسيان، والسؤال اليوم: أين فلان وفلانة.. لم نعد نسمع عنهم؟! وهذا بالتأكيد مصير كل من نصبوا أنفسهم على مواقع التواصل كدلالين للغش والخداع، يُلقننون كالببغاء ما لا يفهمون. وأتعجب من ثلاث فئات من مشاهير الفلس: فئة يخدعون الناس بترويجهم أفكارا عن نجاح مشروعات تجارية صغيرة، أودت بمن صدقهم إلى الديون والإفلاس، وفئة ثانية يقدمون دعايات غير صحيحة مُبالغ فيها عن أماكن وأسواق ومطاعم ومحلات وغيرها، ويصدرون معلومات عمياء عن العلاجات والطب البديل، وقد يطبقها السذج، فتأتي النتائج كارثية على صحتهم. أما الفئة الثالثة فيتكلمون بكل جهل وتسطيح في الدين، والتاريخ، والسياسة، والتراث، والإعلام، والأدب. وإذا كان هناك من مبالغ يأخذونها لقاء ما يجاهرون به من إعلانات خادعة، وطمس للحقائق، والتسبب في إيذاء الناس، فإنها أموال منزوعة البركة، ويستطيعون شراء ما يرغبون إلا السعادة والراحة النفسية، فقد أوصدت أبوابها في وجوههم. يقول الدكتور علي ناصر كنانة في كتابه «الثقافة وتجلياتها..السطح والأعماق»: «نظرا للتطور الهائل الذي حدث في عالم الاتصالات بلغت القدرات الإعلامية حدا تستطيع أن تصور الحق باطلا والباطل حقا، عبر آليات تضليل ذات ثلاثة أذرع: اللغة والصورة والانتشار». ويرى أن معالجة هذا الداء تأتي أولا من الأسرة، ودورها المهم في التربية الأخلاقية، وتنمية السلوك الحضاري، وإبعاد الطفل عن كل ما يؤثر في بنائه النفسي، إلى جانب أهمية وجود منهج وأساليب تعليمية متقدمة ومعاصرة في المدارس تتعامل مع الحاضر بعيون المستقبل. وأكد الدكتور علي دور المؤسسات الثقافية في عملية الارتقاء بالوعي والذائقة الجمالية، وتأهيل الإنسان لنظرة أكثر عمقا لنفسه والآخرين والحياة.