الوطن - السعودية "يا بلاش".. السجن 18 شهرا و300 جلدة لمن يتحرش بطفلة...! هكذا قضت المحكمة الجزائية في محافظة القطيف على سائق حافلة طالبات تحرش بطفلة، بعدما تنازل ذوو الطفلة عن حقهم، حسب ما نقلته "الحياة".. إلى هذا الحد كنت أقول إن القاضي كان رقيقاً لطيفاً مع مجرم بحق الإنسانية والطفولة؛ لكني غيرت رأيي بعدما أكملت الخبر وعلمت أن القاضي لم يكن "رحيماً" ولم يكتف بذلك بل زاد على المتحرش بمنعه من إيصال طالبات المدارس من خلال حافلته، وكذلك زاد القاضي بالقسوة وأمر بأخذ تعهد على المتحرش بعدم تكرار فعلته..! ما أقساك يا قاضينا.. هل تصدق أنك ستردع كل من يفكر بالتحرش بالأطفال، لكن ليس بالسجن 18 شهراً لأنها قصيرة، وليس بال300 جلدة لأن جلد السجن ناعم، ولكن ستردعهم بالتعهد الذي فرضته على المتحرش قبلهم! بعض أحكامنا القضائية تمنح من في عقله "بذرة إجرام" الجرأة على ارتكاب أفعاله بلا خوف؛ لأنه على الأكثر لن يتجاوز سجنه سجن من تشاجر مع زميله أمام باب المدرسة..! نتصور كثيراً أننا من أكثر المجتمعات محافظةً، وأقلها ارتكاباً للجرائم.. لكن تغيب عنا جناياتنا التي تنظرها المحاكم ويغيب عنا ما لا يصل إلى المحاكم لظروف تجبر الضحية على الصمت حتى في البكاء! إذا كان في عام 2012 نظرت المحاكم 565 قضية اغتصاب، فكم قضية تحرش نظرتها المحاكم؟ وكم قضية تحرش لم تصل المحاكم؛ لأن الضحية تخشى الفضيحة في مجتمع يحاكم المجني عليها ويحتقرها قبل أن ينبذ الجاني؟ الأرقام هي الأداة الدقيقة لقياس أي ظاهرة وتقييم مدى انتشارها، وهي الطريقة الوحيدة لتحديد طرق العلاج.. لكن الأرقام لا تزال غائبة تخرج حين تنبشها الصحافة، ثم لا تجد من يعالج القضايا التي تكشف عنها الأرقام. القضاء هو أحد أقوى طرق العلاج إذا رُدع بعقوبة الجاني كلُّ من في نفسه مرض، أما حين تكون عقوبة الجرائم المسيئة للإنسانية والمجتمع "رقيقة" إذا قيست بعقوبات جرائم أقل منها، فسنجد كل يوم ضحية لمجرم مؤمن برقة القضاة وتباين أحكامهم. (بين قوسين) تطور القضاء كثيراً وبقيت الأحكام كما هي بلا آليات تضبطها.