اليوم - السعودية في بعض الأحيان تغني القصص والحكايات عن سرد خطبة عميقة وتفاصيل كثيرة، لذا سأبدأ بحكاية طريفة حدثت لي قبل أيام في إحدى السلاسل العالمية لبيع القهوة (coffee shops) علها تصل بهدوء وأريحية لوزارة العمل. فخلال الأسبوع الماضي زرت المقهى الواقع في أحد أكبر مجمعات الأحساء حيث كنت على موعد مع أحد الزملاء، وفوجئت بوجود موظف سعودي وحيد فبعد انتظار دام طويلاً، أخبرني بأني من المفترض أن أغادر المقهى بعد تسلمي ل «كوب القهوة» مع أن حضوري كان في ساعات الدوام. وبعد أن تجاوزت مرحلة الاستغراب بادرته بسؤال عن سبب طرده للزبائن أثناء وقت العمل، فكان جوابه أكثر غرابة حيث بدأ في سرد معاناته مؤكداً أن عليه ضغوطا كبيرة بعد أن استغنى المحل عن العمالة غير السعودية وأوكل المهمة لأربعة موظفين سعوديين من بينهم صاحبنا. يقول: زملائي الثلاثة لم يتحملوا ضغوط العمل في مثل هذا العمل اليدوي وتقدموا باستقالاتهم بعد شهور قليلة فقط، وورطت بأعباء الفرع كاملاً في حين لا يوجد أجانب في الفرع، فلماذا أبقى وقت الغداء في المحل، وأنا لا أتقاضى أجراً إضافياً؟، ولا توجد حوافز مادية أو معنوية للعمل. من جهتي حاولت أن اقنعه بأنه يمثل شركة عالمية مرموقة لديها نظام معين للعمل وتقديم الخدمة، ومن المفترض الإلتزام به، وفي حال وجود أي إساءة تعامل تجاهه، فيمكن أن يلجأ لمكتب العمل بدلاً من إقفال المحل وطرد الزبائن، لكن إحساسه بحرارة المعاناة وعدم قدرته على تحمل بيئة العمل ربما كانت أكبر من اقتراحاتي الباردة كما يراها من وجهة نظره. قبل لحظات من خروجي من المحل دخل عامل نظافة آسيوي في محل مجاور (وبالمناسبة العامل الآسيوي يعمل في أحد محلات الأطفال العالمية أيضاً) فرأى البائع أن يمنحني مشكوراً فرصة ساعة للقاء زميلي بعد أن أوصى عامل النظافة بالاهتمام بالمحل في غيابه، ويبدو أن العامل الوافد يقوم أيضاً بخدمة تنظيف محل القهوة خارج الدوام لعدم وجود من يقوم بهذه المهمة. هذه القصة الطريفة والمحزنة في آن واحد ليست حالة عابرة، فهي تمثل بصورة بليغة أثر قرارات وزارة العمل على سوق العمل السعودي، فمن جهة نسبة التسرب للسعوديين التي حدثت في هذا المحل خلال شهور قليلة 75%، ومن جانب آخر لم يحقق السعودي الوحيد الذي ظل يعمل في المحل والذي يمثل ال25% حجم الموظفين، الرضا الوظيفي الذي كان يطمح إليه من شغر هذه الوظيفة، بينما لم يجد المحل العالمي عاطلا سعوديا يقبل بالعمل في وظيفة عامل نظافة، ما دفعهم إلى مخالفة القانون. لكن في هذه الحالة المنتشرة هذه الأيام من إغلاق لبعض المحلات هل يوجد مستفيد؟ أعتقد أن المستفيد الوحيد من هذه الدائرة هي وزارة العمل فهي وظفت سعوديا في هذا المحل، بينما انتقل المستقيلون إلى وظائف جديدة ليسجلوا رقماً جديداً في أرقام التوطين التي تعلنها الوزارة، في حين تسير الخدمات والأعمال التجارية نحو مستقبل مظلم يهدد المصالح الخاصة والعامة دون أن تتحقق استفادة حقيقية للسعوديين من هذا النوع من السعودة المؤقتة -إن صح التعبير-، بينما أستبعد أن تقدم هذه الشركة أو غيرها على التفكير في التوسع أو الانتشار وتطوير الخدمات والذي كان سيصب في نمو الاقتصاد الوطني. والحال يقول إذا كانت سلسلة مقاهٍ عالمية تمتلك ووكيلها كل مقومات النجاح، وتتوفر لديها السيولة والقدرة على تحمل المخاطر والتغييرات المفاجئة، ولديها دليل واضح لسياسات وإجراءات العمل وفريق متخصص في الموارد البشرية وغيره لم تستطع تحمل ماحصل، فما مصير المحل الجديد الذي افتتحه مواطن (يسترزق الله) كما يُقال. وإذا كانت تلك الحال منعت محلا للقهوة لا يحتاج إلا ل 4 أو 5 عمال في المحل، فكيف سيكون مصير المشروعات الكبرى للدولة خاصة في مجال البنى التحتية والفوقية والتي تعكف على إنجازها شركات المقاولات محلية ودولية تحتاج لآلاف العمالة لتنجز المشروعات في وقتها. ولأكون منصفاً، فإن وزارة العمل دخلت مرحلة غير مسبوقة في الاستماع للغير من خلال بوابة «معاً» والتي تعتمد على عرض مشروع القرارات قبل اعتمادها للجمهور وخاصة القطاع الخاص لتقديم مقترحاتهم وتقييمهم للقرار، وللأمانة كنت أحد غير المتفائلين بها، وبإمكانية أن توقف قافلة وزارة العمل التي تسير بغض النظر عن الأصوات التي تتعالى هنا وهناك (..). ومثلما فوجئت بأداء المحل العالمي للقهوة، فوجئت أيضاً بأن وزارة العمل أرسلت بريداً للمشاركين بآرائهم في بوابة «معاً» بأن بعض القرارات تم سحبها وإرجاء العمل بها بسبب الملاحظات الدائرة حولها، وهذه نقطة تحسب للوزارة، وبرغم الانتقادات التي توجه لوزارة العمل، فلا يوجد خلاف على كونها تجتهد وتُبادر في تقديم خيارات جديدة، وتحمل ملف السعودة، وهو الملف الذي لا بد وأن تتحمل مسؤوليته كافة الوزارات بما فيها الخدمة المدنية، والتربية والتعليم، والتعليم العالي، وغيرها، فهذه القضية لا يمكن أن يتحملها القطاع الخاص وحده أو أن يبتلعها بسهولة الاقتصاد الوطني إذا ما استمرت وتيرة الضغط بهذه السرعة والكيفية. تويتر @mesharyafaliq