خلال اللقاء الأخير لوزير العمل بالإعلاميين في مبنى دار (اليوم) بالمنطقة الشرقية وبعد ذلك في غرفة الشرقية، كان اللقاء حافلا بالمبادرات والأطروحات التي اشتغلت عليها الوزارة على مدار العام الماضي، وأراد وزير العمل استعراضها أمام الرأي العام. السؤال الوحيد الذي يمكن الإجابة عليه، لماذا لا تفرض وزارة العمل قراراتها بالتدريج وبعد دراسة وافية لأثر كل قرار ليس فقط على السعودة الآنية، وإنما على مستقبل السعوديين والوطن أيضاً؟وجاءت أغلب مسودات القرارات تهدف إلى تحميل القطاع الخاص مسؤولية مكافحة البطالة على المدى القصير والمتوسط بصورة واضحة، فيما ظلت خطط الوزارة بشأن معالجة أسباب البطالة والتنسيق مع الجهات الحكومية لتقديم مبادرات حقيقية غير واضحة المعالم، واعتبرت من الأهداف طويلة المدى. وقبل ذلك تنصلت العديد من الجهات الحكومية والشركات شبه الحكومية عن مسؤولياتها تجاه السعودة، باستبدال توظيف السعوديين بالتعاقد مع شركات تشغيل من القطاع الخاص في الأعمال التي يصعب سعودتها وتحقيق الالتزام الوظيفي فيها، مثل (مراكز الاتصال، الإنشاء، التشغيل، والصيانة، تقنية المعلومات.. إلخ)، وحمّلت مسؤولياتها للقطاع الخاص لتفاخر بتحقيق 50% أو 70% من نسب التوطين. وعلى أي حال تضمنت القرارات الجديدة تعديل نسب التوطين، ورفع متطلبات الاستقدام، وربطها بنسب أعلى من السعودة، ولم تشر أي من العروض التي قدمها الوزير إلى مدى توافر الكوادر السعودية الملائمة، والتي يمكن أن تؤمن هذه النسب بالرغم من أن ذلك يعتبر من أبجديات الموارد البشرية، إلا إذا كان من أهداف الوزارة التضحية بنسبة غير قليلة من منشآت القطاع الخاص في مستويات الوسطى والكبرى والعظمى، بعد أن دكّت قرارات الوزارة منشآت كثيرة من القطاع الخاص في مستوى الكيانات الصغيرة، في ظل عدم توافر البديل السعودي القادر والراغب في شغل وظائفها. وللأمانة فإن قرارات الوزارة تحمل أهدافا وطنية لا يمكن لكائن من كان في هذا الوطن أن يعارضها مثل تأمين وظائف للسعوديين، ورفع مستوى الدخل، وترشيد استقدام العمالة، لكن مسودات القرارات المعروضة حالياً على بوابة معاً، والتي تخطط الوزارة لتحويلها إلى قرارات نافذة خلال 3 شهور، كما أشار الوزير في حديثه، قد تتسبب في إحداث شرخ كبير في إمكانات القطاع الخاص، وربما تؤدي لنتائج معاكسة لأهداف الوزارة. الوزارة تخطط إلى رفع نسب السعودة، ورفع الحد الأدنى لرواتب السعوديين، وإضافة صعوبات على استصدار التأشيرات، واحتساب الوافدين بحسب الأقدمية والرواتب وعدد المرافقين ب 2 و3 أشخاص في نطاقات، وتخفيض احتساب السعودي في نطاقات لعدة اعتبارات، وكل هذا في وقت واحد، وهو ما سيجعل النسب الجديدة توازي أكثر من ضعف النسب السابقة ،بالإضافة للزيادة في المباشرة على معدلات التوطين المطلوبة، بالإضافة إلى تعقيد إجراءات التأشيرات والتي خفضت من خلالها الوزارة عدد التأشيرات بنسبة 25%، ومستمرة في ذات النهج للعام الحالي. لا أعرف هل استمرار ذلك، مع كل هذه الإجراءات القادمة، مغامرة مدروسة العواقب، وهل سيتحمل القطاع الخاص مزيدا من البطالة المقنعة والتي تحولت خلال الثلاث السنوات الأخيرة من القطاع العام إلى القطاع الحكومي بفضل نطاقات؟ وهل ستزيد نسب السعودة بفعل عصا الوزارة عن الفرص الضائعة من الوظائف بسبب انحسار النمو، وتعطل المشاريع وإغلاق المنشآت (الفاشلة) كما سماها الوزير والتي لم تتمكن من توظيف السعوديين المتاحين في سوق العمل، والتي تفيد الإحصاءات بأن نصفهم جامعيون، ونصف الجامعيين في تخصصات لا تستفيد منها منشآت القطاع الخاص. وهل ستفوق الزيادة في الرواتب للسعوديين معدلات التضخم المنتظرة مع صعوبة توفع الأيدي العاملة، والتوسع في تغطية متطلبات السوق من الأعمال الخدمية والتجارية وغيره، وهل ستؤدي هذه السياسات إلى تحول السوق نحو سيطرة أو احتكار القلة؟ كل تلك الأسئلة لا تجيب عنها التفاصيل الكثيرة المنشورة على موقع (معاً)، ولا تبدو سهلة الجواب؟ لكن السؤال الوحيد الذي يمكن الإجابة عليه، لماذا لا تفرض وزارة العمل قراراتها بالتدريج وبعد دراسة وافية لأثر كل قرار ليس فقط على السعودة الآنية، وإنما على مستقبل السعوديين والوطن أيضاً. تويتر @mesharyafaliq