أحد المواطنين كتب تعليقا يقول فيه: (إذا أردنا حل مشكلة البطالة في السعودية علينا أولا حل مشكلة البطالة في الهند وباكستان وبنغلاديش والدول العربية وربما جميع دول العالم) في رد إلكتروني على خبر تصحيح أوضاع 6000 هندي في جدة بالتعاون مع القنصلية، التي أكدت فيه القنصلية إن الهنود استفادوا من فترة التصحيح وتحسنت رواتبهم. وعلى ما يحمل هذا التعليق من كوميديا سوداء - إن صح التعبير - فإنه يثير سؤالا منطقيا حول التضخم في توظيف غير السعوديين لاستثمار فرصة التصحيح بصورة مبالغ فيها. فإذا استثنينا قطاعات تتطلب عمالة كبيرة ومتدنية التأهيل كالمقاولات على سبيل المثال التي كانت تعتمد على المخالفين قبل التصحيح فإن بعض القطاعات الأخرى استبدلت وظائفها السعودية بغير سعوديين خاصة في الوظائف المتدنية لتوفير الرواتب من جهة وتقليل تكلفة عدم استمرار السعوديين فيها مقارنة بالجنسيات الآسيوية (طبعا بقدر ما تسمح به نطاقات وزارة العمل). ومع هذا لا نزال في دائرة السؤال الهام: هل ستنجح وزارة العمل التي تحمل العصا بيد وقطعة من جزرة في يد أخرى في حل مشكلة البطالة بالطريقة الحالية؟ أم أن الوزارة بحاجة لتنسيق أفضل مع بقية الوزارات لتهيئة المواطن لشغل وظيفة مناسبة والتخلي عن بعض المسلمات التي تؤمن بها حالياً؟ يشكو لي رئيس شركة سياحية كبرى عن حال التوظيف فيقول: قبل عامين نشرنا إعلانا عن 4 وظائف في إحدى الصحف فوصلنا أكثر من 4300 سيرة ذاتية لمتقدمين سعوديين، وحينما كررنا التجربة هذا العام مع طرح عدد أكبر من الوظائف وبرواتب أعلى تبدأ من 5000 ريال لمن دون الجامعة فوجئنا بأن إعلانين في وقتين مختلفين وبمساحات أكبر كلفت الشركة أكثر من 17 ألف ريال جلب 27 متقدما فقط..!! وهو ما يعني عزوف الغالبية العظمى من السعوديين المتقدمين للوظائف عن شغل مهن معينة تعتمد على المهارة أو الخدمة ومستقبلها الوظيفي محدود (في بلادنا للأسف الشديد على عكس الدول المتقدمة)، ولسان الحال يقول: من أين لشركة كهذه تنوي فتح سلسلة مطاعم ومقاه على مستوى المملكة مثلا توفير نصاب السعودة للخدمة والتنظيف وتقديم المأكولات والمشروبات، وقبل ذلك طبخها وتجهيزها، والسير الذاتية المتوافرة للسعوديين لا تصل إلى 30 سيرة، أي أن المتوقع في أحسن الظروف ألا يزيد المقبولين بعد فحص الطلبات ومطابقة الوظائف وإجراء المقابلات على 9 أشخاص..! إذاً لابد لوزارة العمل عاجلاً أو آجلاً التخلي عن شرط السعودة لوظائف العمالة فمهما حاولت الوزارة لا يمكن لهذه الوظائف أن تكون جاذبة للمواطن في ظل تضخم الأسعار السنوي والفرص التي تتاح في شركات أخرى تلهث للحصول على السعودة، وكأن الوزارة أوجدت مناخاً سلبياً للتوظيف يرغم الشركة والمواطن في آن واحد على توفير وظيفة غير ملائمة له. (ما سبق لا يعني فتح المجال للعمالة لممارسة أعمال غير التي استقدموا عليها، فمن الضرورة. برأيي تمسك الوزارة بمراقبة تحويلات العمالة التي تكشف حقيقة وظائفهم). لكن هل المشكلة في الوظائف الدنيا فقط؟ قرأت مقابلة صحفية أجرتها صحيفة «اليوم» هذا الأسبوع على هامش لقاء التوظيف الموسع في غرفة الشرقية مع أحد المواطنين وهو خريج جامعة ديرويت الأمريكية بدرجة ماجستير بامتياز في نظم المعلومات يقول: بحثت منذ تخرجي ولمدة عام كامل دون أن أجد فرصة وظيفية حقيقية للعمل في القطاع الخاص. ألا يجدر هنا أن تحث وزارة العمل وزارة التعليم العالي وبرامج الابتعاث على إعادة النظر في شروط الابتعاث للماجستير الذي يشكل طلابه أعلى نسبة بعد طلاب الطب؟ فمن غير المنطقي أن تربط دراسة الماجستير بين عام التخرج من الجامعة والقبول في البعثة للماجستير أي أن الخريج الجديد له الأولوية في التقدم للدراسات العليا، بدلاً من أن تطلب ممارسة المهنة قبل الالتحاق بالماجستير أي أنها تمثل ضغطاً على الخريج الطموح لإكمال الماجستير كي ينضم لطوابير البطالة. فالمعلوم أن القطاع الخاص لا يرحب بخريج ماجستير لا يملك خبرة في مجاله يتطلب تعيينه راتباً مرتفعاً ومنصبا وظيفيا أعلى يحتاج إلى خبرات في مجال العمل ربما لا تتاح له إطلاقاً. كل المنصفين مع إرادة وزارة العمل - التي تبدو صادقة وقوية في توجهاتها نحو السعودة كما نظن - لكن أطراف العمل لاسيما القطاع الخاص وطالبي الوظائف لديهم احتياجات ومطالب قد لا تتفق مع سياسة برنامج نطاقات في شكله الحالي. وقد تمثل نطاقات أجور المنتظر إعلان النسخة المطورة منها فرصة لأخذ مرئياتهم بعين الاعتبار، وتحسين مستوى التنسيق مع المؤسسات التعليمية.. تحياتي. Twitter: @mesharyafaliq