العرب القطرية الإدارة فن، أكثر من كونها علم، ولا يتمكن القائمون عليها من إتمام المهام الملقاة على عاتقهم، وبالشكل المطلوب، دون التمتع بالأساليب والمهارات التي تسهل عليهم أداء هذا العمل، وبالإتقان اللازم، ويدلل على هذا الأمر النجاحات التي حققها كثير من القادة، في مجالات عدة، قبل ولادة هذا العلم وقواعده المعروفة اليوم. إن الإدارة موهبة قبل أن تكون أي شيء آخر، يتمتع بها البعض، ويحرم منها البعض الآخر؛ لذا يفشل من لا تتوافر لديه الموهبة الكافية في الإدارة مهما فعل، ومهما توافرت لديه الأموال والإمكانات، والشواهد على هذا لا تعد ولا تحصى. أكثر منطقة تختبر فيها قدرة الإداري الناجح، قدرته على التعامل مع المختلفين معه، ولنقل القائد الناجح على وجه التحديد، فالحديث عن الحكم وإدارة الدول، لا عن إدارة المؤسسات والأعمال الصغيرة والكبيرة، إن الحاكم الحقيقي هو الذي يستطيع تجيير كل شيء لمصلحة بلاده، وعلينا الفصل التام بين المصلحة الشخصية والذاتية للحاكم، ومصلحة البلاد الأكثر شمولية، وتتلخص مشاكل الحاكم غالبا -بعيدا عن مصالحه الشخصية من أعمال وتجارة وغيرها- في ذاته وأهوائه ومزاجه وطبيعته الشخصية، وأصعب ما على المرء في الحكم القبول برأي غيره من المختلفين معه، وأن يأتي هذا الاختلاف من أطراف بعيدة عن الدائرة المحيطة به، هنا يكون التحدي الذي يفشل فيه غالبية الحكام، وهنا تتضح القدرات المحدودة لهؤلاء في إدارة الدول، وتتنصر الذات الصغيرة ونزعاتها الأصغر، تتجلى الأنانية والانغماس في المشروع الذاتي، وعدم القدرة على تجاوز الصغائر، والاعتقاد الواهم بالعبقرية والدهاء والمعرفة المطلقة. لماذا تشكل القدرة على التعامل مع المختلفين منطقة تحد للحاكم والقائد؟ لأنها ببساطة تختبر القدرات الحقيقية لدى الفرد بإدارة المسائل الصعبة، بعيدا عن جمهور المطبلين والمؤيدين من قبل ومن بعد، في الحق والباطل، في الصحيح والخطأ، إنها عملية أكثر تعقيدا وصعوبة، يتعامل فيها الحاكم مع من لا يريد، ومع ما لا يريد، وقد يصل لنتائج لا يريدها، لكن السؤال، لماذا يفعل ذلك؟ ما الذي يضطره لكل هذا الإزعاج؟ ماذا يستفيد الحاكم نفسه من هذه العملية؟ أولا سيتخلص الحاكم من أوهامه التي تكبر يوما بعد يوم في عقله، والتي تصور له كره المختلفين له ولحكمه وكل ما يمت له بصلة، ثم سيكتشف حجم وأهمية الأفكار التي تضاف إلى رصيده نتيجة القبول برأي الآخر المختلف معه، وستزال عن طريقه آلاف العقبات الناتجة عن وجود هؤلاء المختلفين في الضفة الأخرى، ووجودهم سيقدم حلولا جذرية وجدية للمشاكل التي أدت أساسا لاختلافهم مع الحاكم ونهجه، على الأقل يصل الطرفان لمنطقة وسطى يتفقان عليها، تحقق لكل طرف من الأطراف رؤيته وتقديره للأمور، سيجد الحاكم في نهاية المطاف أنه ليس محاطا بفرق التأييد الانتهازية، سيجد أمامه نخبا حقيقية تمثل المجتمع في مجالات مختلفة، وأنه بات حاكما حقيقيا وممثلا لتطلعات أمته، إن كان يسعى لذلك أصلا. إن الاحتواء مطلوب بشكل عاجل، الحكم الذي لا يمتلك القدرة على جمع الناس وكسب ثقتهم وإتاحة المجال لهم للإسهام في النهضة والتقدم، سيظل حكما معزولا لا يحظى بالاحترام والتقدير، وستستمر سخرية الناس وعدم ثقتهم فيه مهما فعل، والرهان في القدرة على عزل الآخرين وتحجيمهم ستعود على الحكم نفسه، المناطق المعزولة تكبر شيئا فشيئا، ويكتشف العازل أنه بات المعزول مع مرور الأيام، وأن حاجته للاقتراب أكبر بكثير من حاجة الآخرين لذلك.