اليوم -السعودية طلبت وجبات بيتزا من أحد المطاعم القريبة لمنزلي، وأثناء تناولي الوجبة -غير الصحية- فوجئت باتصال من السائق الذي أحضر الوجبات، ويطلب مني الخروج عند الباب، ذهبت إليه وعلامات الاستغراب ترافقني إليه، وبعد فتحي لباب المنزل أعطاني مبلغاً من المال وهو يعتذر بلطف شديد لأنه أخطأ في الحساب، شكرته على أخلاقه العالية، وأمانته وطلبت منه أن يقبل هذا المال كهدية مني، وأخذها بعد إلحاح كبير. لم أسأله عن ديانته لأني مؤمن بأن الأخلاق السامية هي مشترك إنساني، ولذلك كان رسولنا الخلوق يقول : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وبأقصر بحث في ثقافات البشرية ستجد كلاماً متوافقاً على الخلق الكريم، فهذا سقراط يقول: «التربية الخلقية أهم للإنسان من خبزه وثوبه». نفشل أحياناً في بناء منظومة الأخلاق عند الفرد؛ لأننا نجعل السلطة الاجتماعية هي القاعدة الأساسية في البناء الأخلاقي، فيتشكل عندنا نوع من «النفاق الأخلاقي» الذي يجعل الناس وأعرافهم هم الدافع لحركة الفرد الأخلاقية، والمفترض أن يكون العرف الاجتماعي هو ضابط نراعيه وليس محركا نتكئ عليه، فالأخلاق السامية تبنى من الداخل بين الإنسان ونفسه، تجعله يحاسب نفسه ويهذبها بعيداً عن أي سلطة اجتماعية. «المسؤولية الأخلاقية» أوسع وأشمل من «المسؤولية القانونية»، وهي أيضاً أوسع وأشمل من «المسؤولية الاجتماعية»، فالقانون يضبط الأفعال لأنه يجعلنا مسؤولين أمام السلطة، والأخلاق تضبط الأفعال لأنها تجعلنا مسؤولين أمام الضمير الأخلاقي، وبالتالي فالأخلاق تجعلك تترك بعض الأفعال السيئة التي لا يتمكن القانون ولا المجتمع محاسبتك عليها، لأن السلطة الداخلية أقوى وأعمق من السلطة الخارجية، وفي السبعينات الميلادية انقطع التيار الكهربائي عن مدينة نيويورك، وفي اليوم التالي أعلن عن مسروقات بملياري دولار!، فانطبق عليهم المثل الفارسي: (نوم الحارس مصباح السارق). أتعجب كثيراً من بعض الذين يدعون إلى الفضائل أو يدافعون عنها بأخلاق سيئة، فهؤلاء ينتهكون جمال المحتوى بقبح القالب، والإناء السيئ يفسد الطعام الجيد، ويتضح هذا أكثر في التعامل مع المخالفين في الفكرة أو الفكر، فتجدهم يتجاوزون الحدود الأخلاقية بحجة أنهم أعداء، وفي قانون النبلاء: المخالفون ليسوا مستثنين من الأخلاق. اندونيسيا أكبر بلد إسلامي في العالم، فتحه التجار المسلمون بأخلاقهم، ورسولنا الكريم تكفل ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه، وأخبرنا أن الخلوق أقرب الناس إليه مجلساً في الآخرة، وأنه يدرك بأخلاقه الراقية درجة الصائم القائم. حافظ على أخلاقك الجميلة، وحسن من أخلاقك الأخرى لتواكب جمالك.