الذين يبيعون الوهم للناس ينتشرون اليوم في كل مكان، ومن يلعبون بالبيضة والحجر - وهو رمز للنصابين المحترفين - لم يتركوا أسلوباً لجذب المال إلا طبقوه، ولم يدعوا فرصة سانحة إلا استغلوها أبشع استغلال. يتكاثرون في البيئات التي تنام فيها العيون وتعمى القلوب ويغيب عنها تطبيق النظام والعقوبات الرادعة. مؤلم أن يستغل موسم الحج وهو موسم إسلامي مقدس من فئات لا يهمها إلا ما في جيوب الناس، ومن أجل هذا الهدف الدنيء يحشدون كل طرق التسويق من كلام معسول ووعود براقة للترويج لحملات حج ليست موجودة على أرض الواقع، وليست من ضمن قائمة المائتين وخمس حملات المرخصة من وزارة الحج والمنشورة في الموقع الإلكتروني للوزارة. من واقع قراءتي لما كتب عن حملات الحج لاحظت أنها ثلاثة أنواع، فهي إما حملات رسمية مرخصة لا غبار عليها، أو حملات غير مرخصة تقدم خدماتها بصورة غير نظامية، وأخيراً حملات وهمية من يقع في فخها فقل على حجه ونقوده السلام، والقانون قد لا يحمي المغفلين، ويمكنك أن تضيف من الأمثال والحكم ما تشاء مثل: تعيش وتاكل غيرها، وكل ضربة فيها تعليمة ومعوضين خير إن شاء الله، على أمل أن تفتحوا عيونكم جيداً في المرات القادمة مع قليل من التركيز الذهني والبعد قدر الإمكان عن "الدرعمة" وسط صيادين مهرة لا يرحمون، وسؤال أهل الخبرة فلعل في ذلك إفادة لأصحاب القلوب الطيبة والعقول المسترخية. مع اقتراب الموسم بلغت التحذيرات ذروتها من قبل وزارة الحج وإمارات المناطق. الوزارة حذرت وأنذرت ونشرت أسماء الحملات الرسمية، وإمارات المناطق مستمرة بالمطاردة، لكن مع كل هذه الإجراءات لازالت حملات الوهم في تزايد ما يدل على أن هناك خللاً ما، ربما ضعف تنسيق أو بطء ورتابة في المتابعة. آخر الأخبار عن تلك الحملات ما أعلنته شرطة منطقة نجران من أنها قبضت على مواطن يدير حملة حج وهمية وتسلمه لمبلغ ستمائة ألف ريال بواقع 4500 ريال من كل فرد، وأنه حالياً رهن التحقيق، وخبر آخر عن ضبط شرطة منطقة مكةالمكرمة لثلاث عشرة حملة وهمية. حملات الوهم في تزايد والحل بالتأكيد في القضاء على هذه الآفة. الإحباط من القضاء عليها بدأ يتسلل إلى المسئولين، فالدكتور حاتم قاضي وكيل وزارة الحج والمتحدث الرسمي باسمها أعلن في تصريح صادم أن الحل الوحيد للقضاء على الحملات الوهمية أن يعلن إبليس إسلامه وإيمانه ويتوب لتنتهي بذلك جميع مشاكل النصب والاحتيال!. هذا التصريح للأمانة غريب، وأتمنى أن يكون الدكتور قد أطلقه على سبيل النكتة لتلطيف الأجواء، وإلا إن كان يعني ما قاله فهذه مشكلة كبرى، لأنه وضعنا أمام المستحيل، فإبليس بعلم الله لن يسلم وعلى هذا الأساس فعلينا أن نفقد الأمل في الحلول رغم أنها متاحة بفرض عقوبات قوية على منظمي حملات الوهم بالسجن لمدد طويلة مع الغرامة الباهظة، والإطاحة بهؤلاء المجرمين تقتضي توعية مستمرة لا تنقطع، وتنسيقاً قوياً بين الوزارات المعنية، فمدة الحج قصيرة وليست طوال العام، والتركيز في هذه الفترة المحدودة سيؤدي إلى نتائج تحمي الحجاج من النصب والاحتيال، الحلول ممكنة مع شيء من الجدية والمثابرة وعدم ربطها بتوبة إبليس.