هل كنا ننتظر هذا اليوم الذي نصحو في صباحه على إيقاع أليم لذبح معلم في مدرسة ثانوية ومن أحد طلابه؟ في هذا اليوم المشئوم لكل من بقي في نفسه ولو ذرة من تقدير للعلم وأهله أقدم طالب صف أول ثانوي في مدرسة بمنطقة جازان بطعن معلمه بخنجر كان بحوزته عدة طعنات في فخذه ما أدى إلى وفاته. السبب الذي جاء في سياق الأخبار أن المعلم محمد آدم برناوي والذي وصفه المتحدث الرسمي باسم وزارة التربية بأنه كان على درجة عالية من الخلق والتفاني في عمله حاول فض نزاع بين الطالب وعامل نظافة بالمدرسة، ما جعل الطالب يتجه للمعلم ويسدد له الطعنات مكافأة له على تدخله ولينقله إلى المقبرة بدلاً من بيته وأسرته التي تنتظر عودته على أحر من الجمر. تلك الطعنات الموجعة أرى أنها سددت ليس للمعلم برناوي رحمه الله وحسب وإنما لهيبة المعلمين المترنحة، ولمقام التربية والتعليم في المدارس، والتي تحولت إلى اسم فقط دون مضمون، وللنظام المدرسي إن كان هناك ثمة نظام يمكن بواسطته ضبط العنف والإجرام داخل المدارس. هيبة المعلمين الهشة جداً - إن كانت لهم هيبة - ضعفت من زمن ولم يبق للمعلم إلا بصيص من تقدير يحمله له ولي أمر مدرك لقيمة المعلم، أو يكنه له طالب يرى أن معلمه جدير بشيء من التقدير. ما عدا ذلك فقد تحولت تلك الهيبة إلى ذكرى من ذكريات الزمن الجميل، يوم كان المعلم ملء السمع والبصر أمام طلابه بهيبته وسطوته التي خرجت أجيالاً رائعة يفاخر بهم الوطن. يوم كانت الوزارة تقف مع المعلم ويدعمه النظام بمعاقبته أي طالب يحاول مجرد المساس بهيبته تلفظاً، ناهيك أن يحاول الاعتداء عليه، وقتها كان سيجد ملفه ملقى في الشارع. أمر مؤلم، فمن اليوم الذي شرعت فيه الوزارة تطبيق كل أساليب " الطبطبة " على الطلاب، وإلغاء جميع مواد عقوبات الطلاب من اللوائح المدرسية والأحوال تسير من سيئ إلى أسوأ. معها تراجعت هيبة المعلم وصار همه أن يتقي شر "الفتوات" من الطلاب على شاكلة عنتر شايل سيفه "وويلك ياللي تعادينا يا ويلك ويل". أصبح المعلم يسير بجانب الحائط مطرقاً رأسه إلى الأرض غير مكترث بما يدور حوله من مناوشات بين الطلاب، المهم أن يصل من فصله إلى غرفة المعلمين بأسرع وقت، ثم الخروج من المدرسة بعد نهاية الدوام على جناح السرعة خوفاً من تربص أحد العناترة به خارج المدرسة، وكي لا يقحم نفسه فيما يدور من اشتباكات بين الطلاب خارج أسوار المدارس. أعود للحادثة، فالطعن حدث في المدرسة وبخنجر يحمله الطالب، وهنا أتساءل كيف دخل الطالب بآلة حادة إلى المدرسة؟ أم أن كل طلاب المدرسة مدججون بالسلاح الأبيض، وإذا لم يكن الأمر كذلك فأين متابعة إدارة المدرسة ورقابتها على طلابها؟ ثم ما الدور الذي يقوم به المرشد الطلابي وما أثره في تحسين سلوكيات الطلاب؟ آلاف المرشدين في المدارس تصرف الدولة لهم الرواتب الضخمة دون أن نلمس نتائج إيجابية. لحماية جناب التعليم والمعلمين لابد من وقفة جادة من الوزارة في هذه القضية التي أصابت التعليم في مقتل، لعل هذه الوقفة تعيد شيئاً من الاعتبار وإلا فالقادم أسوأ وأستر يا ستار.