قُضي الأمرُ، وانحازت «الفتوى» لصالحِ (الأذان)، فيما توارت جرائمُ (التفجير) بالحجاب. وما من سويٍّ – في شأن تدينهِ – إلا وقد حُبّب له حُبّ الرفقِّ عن ذكرِ العنفِ، ناهيك عن اجتراحِهِ. وبينما كنتُ – منتشياًً – برفقةِ «حسن رسول»، وهو يَعبُر أزقة لندن، مالئاً فراغاتها الروحيّة ب«أذانٍ»، قد جاء على سمتِ «أذانِ بلال» يوم فتح مكة!، أيقنتُ حينها أنّه لا (السيف) و(لا التفجير) يمكن أن يكون لهما أثرٌبالغٌ ، كما للأذانِ من أثرٍ. ذلك الأذانُ الذي لن يكون في شيءٍ إلا وقد زانه بلاغاً وهدياً بالغ التوفيق. ثم ما كنت لألبث إزاءَ هذا المشهد-الإيماني- إلا قليلاً، وإذ بالنصوص تنثال عليَّ –من الذاكرةِ- دون كدٍّ، وكانت كلها تُزكّي هذا الموقف الرّسالي، وتحرّض المؤمنين على الرّفق في كلِّ ما يأتونهُ من بلاغٍ ودعوة. ولضيقٍ في المساحة، سأكتفي هاهنا بنصٍ واحدٍ، يوشك أن يكتنز الدلالة كلها فلتتأملوه جيدا: كان إذا قيل للحسن البصري: ألا تخرج فتُغيّر؟ فما يكون منه إلا أن يقول لهم: «إن الله تعالى إنما يُغيّرُ بالتوبةِ لا بالسيف». ويمكنُ لنا محاكاة فقهِه بالقول: «إن الله تعالى إنما يُبلّغ دينه- زماننا هذا- بالأذان لا بالتفجير»!أوليس الله ينصرُ دينه بالرجلِ الكافر؟ كلٌّ منكم قد عَلم، ما كان من خبر «القناة الرابعة البريطانية» في شأن قرار رفع أذان الفجرِ، طيلة شهر رمضان، اعترافاً منها بحق المسلمين، الذين يبلغ عددهم في بريطانيا نحو 2.8 مليون نسمة. بيدَ أنّ الغاية، ليست في إعادةِ خبر «الأذان»، وحكاية مؤذن:«القناة الرابعة» الموسيقي من جنوب إفريقيا «حسن رسول» ذلك أنه خبرٌ، قد تابع الغالبُ من القراءِ تفاصيلَه من مصادره. وإنما تتغَيّا هذه الكتابةُ ما يلي: * إعادة بعث :«مفهوم التغيير» وَفْقَ منهجية رفقٍ وسلام، وهي ما وكّدتها نصوص الشريعة المتضافرة في هذا الباب، ويأتي في سياقِ منهجيةِ الرفقِ والسلامِ بداهةً: تبليغ الدعوة، الأمر الذي صدّرت به المقالة. *أتمنّى لأحبّتِنا من المهووسين بصناعات:«البيانات» أن يبادروا-هذه المرة- إلى كتابةِ بيانٍ يأتي في سياقٍ من الإشادةِ بما فعلته تلك «القناة» ويتواصلون معها تثميناً لقيامها بشيءٍ من إزالة غبشٍ –نحن من قد صنعه- ذلك الغبش الذي قد ران على صورة الإسلام البهيّة في الغرب. *أود من رئاسة الحرمين هي الأخرى، أن تضطلع ولو بخطابٍ يصلون به «القناة» شكراً وثناءً على صنيعهم، ويمدونهم تالياً بشيءٍ من مواد«قناة القرآن» أذانا أو صلاة تراويح. *وحيثُ إن القناة تجارية صرفةٌ –وليس هذا يعيبها- فياليت جملةً من أثريائنا يفطنونَ، و لا يغفلون – وهم المحبون لإسلامهم – عن تعاهدهم هذه القناة بشيءٍ من إعلاناتهم أسوة بما يفعله اليهود. وبأيةٍ حالٍ.. فما بقي لي من قول، سوى التوكيد على مباركة هذه الخطوة، ذلك أنّ في تثمينها تنميةً لها وإثراءً، وستتلوها خطواتٌ، إن نحن أحسنا استثمارها بوعي وبسخاء، وأبطلنا بالتالي كيد من سيخرج فينا قائلا: إن هي إلا قناة تجارية و.. و.. تابعوا جلال الأذان وجمال الإخراج.