الإصلاحات التشريعية انطلاقة نوعية لقطاع التعدين    بيلباو والبرشا في سهرة ملتهبة    ارتفاع عدد ضحايا زلزال الصين إلى 126 قتيلًا و188 مصابًا    إطلاق المسح الميداني الثاني لقياس مؤشر الفقد والهدر الغذائي في المملكة    القبض على مقيمين في تبوك لترويجهما «الشبو»    وصول الطائرة الإغاثية السعودية السابعة إلى مطار دمشق    إسرائيل تطالب بالضغط على حماس وتستمر في الانتهاكات    أول رحلة دولية تهبط في دمشق    رفع مستويات كفاءة استخدام الطاقة وحماية المستهلكين    أمانة المدينة المنورة تدشّن المرحلة الثانية من مشروع "مسارات شوران"    تعيين 81 عضوا بمرتبة ملازم تحقيق    أمين الطائف يتابع جهود احتواء آثار الحالة المطرية    نيفيز يعود لتشكيل الهلال الأساسي في مواجهة الاتحاد    أمريكا: قوات الدعم السريع ارتكبت «إبادة جماعية» في دارفور    ترامب: إما عودة الرهائن في غزة قبل تنصيبي أو الجحيم    نائب أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشروعات التي تنفذها أمانة المنطقة    النفط يرتفع وسط مخاوف من اضطراب الإمدادات    رئاسة لبنان بانتظار التوافق    نائب وزير الخارجية يستقبل سفيرَي بولندا وسريلانكا لدى المملكة    حملات تمشيط تلاحق «فلول الأسد»    من رواد الشعر الشعبي في جازان.. علي بن صديق عطيف    «الحياة الفطرية» تطلق 95 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية    تعديل نظام المرور والموافقة على نظام المواد البترولية والبتروكيماوية    «الدفاع المدني»: أنصبوا الخيام بعيداً عن الأودية والمستنقعات    محافظ صامطة يعزي أسرة البهكلي والشيخ المدخلي    هيئة الأدب والنشر والترجمة تطلق النسخة الأولى من معرض جازان للكتاب    8 ملاعب تستضيف كأس آسيا 2027 في السعودية    طرح سندات دولية بالدولار بقيمة 12 مليار دولار أمريكي    136 محطة ترصد هطول أمطار في 9 مناطق    ابتسم تختتم العام بتوعية وعلاج أكثر من 58ألف مستفيد ومستفيدة بمكة    تعليم القصيم يطلق حملة "مجتمع متعلم لوطن طموح"    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تطلق برنامج «راية» البحثي    أمير الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء جمعية أصدقاء السعودية    لياو: شكرًا لجماهير الرياض.. وإنزاغي يؤكد: الإرهاق سبب الخسارة    اللجنة المنظمة لرالي داكار تُجري تعديلاً في نتائج فئة السيارات.. والراجحي يتراجع للمركز الثاني في المرحلة الثانية    "الأرصاد": رياح شديدة على منطقة تبوك    رئيس جمهورية التشيك يغادر جدة    عبد العزيز آل سعود: كيف استطاع "نابليون العرب" توحيد المملكة السعودية تحت قيادته؟    البشت الحساوي".. شهرة وحضور في المحافل المحلية والدولية    القطاع الخاص يسدد 55% من قروضه للبنوك    6 فوائد للطقس البارد لتعزيز الصحة البدنية والعقلية    سفير فلسطين: شكراً حكومة المملكة لتقديمها خدمات لجميع مسلمي العالم    بداية جديدة    أهمية التعبير والإملاء والخط في تأسيس الطلبة    ليلة السامري    في ربع نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين.. كلاسيكو مثير يجمع الهلال والاتحاد.. والتعاون يواجه القادسية    العداوة الداعمة    بلسان الجمل    محافظ الطائف: القيادة مهتمة وحريصة على توفير الخدمات للمواطنين في مواقعهم    جلوي بن عبدالعزيز يُكرِّم مدير عام التعليم السابق بالمنطقة    احتياطات منع الحمل    البلاستيك الدقيق بوابة للسرطان والعقم    جهاز لحماية مرضى الكلى والقلب    "رافد للأوقاف" تنظم اللقاء الأول    خيسوس يبحث عن «الهاتريك».. وبلان عينه على الثنائية    حماية البذرة..!    مكة الأكثر أمطاراً في حالة الإثنين    العالم يصافح المرأة السورية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللهم ارحمني ومحمداً.. ولاترحم معنا أحداً
نشر في المدينة يوم 07 - 03 - 2010


هكذا قال الأعرابي بكل عفويةٍ بعد أن بالَ في المسجد النبوي وهمَّ أصحاب الرسول الكريم أن يضربوه، فمنعهم من ذلك وتعامل معه برفق قائلا لهم «إنما بُعثتم مُيسِّرين ولم تُبعثوا مُعسِّرين». العجيب في المسألة أن أصحاب الرسول همّوا بالعقوبة ماإن بدأ الرجل فعلته، وأن الرسول طلب منهم أن يُعرضوا عنه ويتركوه حتى يقضي حاجته! يبهرك هذا الموقف الإنساني الذي يمتلك القدرة على الارتقاء في التعامل مع الناس حتى في مثل هذه المواقف (الصعبة).. وتتألم حين ترى ماآلت إليه أحوال قومٍ هذا هو حال معلّمهم. حَضَرتني الجمعةُ في بلدين مختلفين خلال الأسبوعين الماضيين، وفي كل مرة كان الخطيب يتكلم عن مناسبة مولد الرسول الكريم. لكنني افتقدتُ في كل مرةٍ أيضاً تلك المعاني التي تغفل عنها غالبيةٌ كبرى ممن يتصدون لمنابر الخطابة والتعليم، خاصةً في مناسبةٍ أسبوعيةٍ فريدة يمكن أن تكون مهرجاناً للتثقيف الحضاري. ورغم أن هؤلاء يذكرون مثل تلك القصص، إلا أنهم يَغفلون عن بعض دلالاتها الكبرى، ويطرحونها بسرعة واحدةً تلو الأخرى على أسماع الناس، كمن يريد فقط أن يسبق الآخرين بعدد مارواه من قصصٍ وأخبارٍ عن الرسول. والحقيقة أن هذه القصص التي تتحدث عن أفعال بعض الأعرابيين بالذات، وعن طريقة تعامل الرسول معهم تسحرُ الإنسان حين يفكر بها بطريقة معينة. فقد جاء الأعرابي الآخر يطلب من الرسول عطاءً. فأعطاه وسأله: أحسنتُ إليك؟ ردّ الأعرابي: لاأحسنت ولاأجملت. حصل هذا في مجلسٍ تواجدَ فيه صحابةٌ من المهاجرين والأنصار يُحبّون نبيهم ويعرفون قدره. فغضب هؤلاء وشقّ عليهم تحمّل هذه القسوة والغلظة من الأعرابي، وقام بعضهم إليه ليوبّخه ويؤنبه. لكن موقف النبي المعلِّم كان موقفاً آخر.. كان موقف نبيٍ مُعلِّم.. فقد طلب منهم أن يكفّوا أيديهم وألسنتهم، وأخذه من يده إلى منزله وأعطاه وزاده ثم سأله مرةً أخرى: أأحسنت اليك؟ فقال الأعرابي: نعم فجزاك الله من أهلٍ وعشيرة خيراً، وحرص النبي على وداع الاعرابي حتى خرج!.. وهكذا الحال مع أعرابي ثالث كان يصلي مع الرسول وأصحابه، وإذا برجلٍ من القوم يعطس. تداخلت الأمور على الأعرابي الذي تعلّم شيئاً من دينه وأحبّ أن يُطبّقه، فقال وهو يصلي للعاطس: (يرحمك الله). يقول، وندعهُ يُكمل الرواية: «فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم. فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليما منه. فوالله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني، ولكن قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن». أما القصة الرابعة والأخيرة فتتعلق بفتىَ أعرابيٍ شابٍ هذه المرة، أتى النبي يستأذنه بممارسة الزنى؟! فلم يكن أيضاً من أصحاب الرسول إلا أن زجروه ونهروه. لكن موقف المُعلِّم كان كالعادة مختلفاً. فقد حاوره في البداية من مدخلٍ عقلاني ليقنعه بخطأ مايطلب، سائلاً إياه إن كان يُحب ويرضى هذا الفعل لأمه ولابنته ولأخته ولعمته ولخالته؟ كان طبيعياً أن يجيب الفتى بالنفي كل مرة. فيذكّره الرسول أن الناس لايرضون هذا الفعل أيضاً لأمهاتهم وبناتهم وأخواتهم وعماتهم وخالاتهم. إن الناس ليسوا أشراراً بطبيعتهم، كما يتوهم كثيرٌ ممن يفرضون أنفسهم على مواقع الفتوى والحكم على عباد الله. وفي كثيرٍ من الأحيان، لايتطلب إصلاحُ الخطأ سوى شيء من الحوار المنطقي الذي يمحو الغبش عن العيون، ويمسح غبار التقاليد والعادات والهوى عن الفطرة الإنسانية السليمة. هذه عمليةُ تواصلٍ بشري بسيطة، وهي تُعبّر عن قمة الاحترام للإنسان، وعن الثقة الأكيدة بعقله الذي يظلُّ دوماً مناط تكريمه. لكن البعض يأبى إلا أن يلجأ إلى سلاح الشدّة والقسوة، فينتكس دون أن يدري إلى منهج الحيوانات في تعاملها مع بعضها.. لكن الرسول المعلم يعرف أيضاً قوة تأثير الرمز المادي في بعض بني البشر. لهذا، نجده يضع يده على صدر الفتى الأعرابي ويدعو له بذلك الدعاء الجميل: «اللهم اغفر ذنبه، وطهّر قلبه، وحصّن فرجه»، فتتكامل قوة المنطق مع قوة الرمز، ويخرج الشاب الذي دخل منذ لحظات يطلب الإذن بممارسة الزنى وقد أصبحت هذه الممارسة من أشد الأمور كراهية على قلبه. كثيرةٌ هي الدلالات في مثل هذه القصص. وأول مايلفت النظر فيها أن التاريخ لم يذكر حتى اسم الشخص الذي كان بطل الحادثة. فالبطلُ هنا هو الإنسان وكفى. والرسول المعلِّم يكتفي بهذه الصفة لكي يوليه كل هذا الاهتمام وكل تلك العناية، ويُظهر له تلك الدرجة العالية من الصبر والرفق والاحترام. لاحاجة للتفصيل في المقارنات الممكنة في هذا الموضوع، فالقارىء الكريم يعرف كيف يقوم بهذه المهمة خير قيام.. المفارقة أيضاً أن فِعلَ التربية بمثل ذلك المستوى الراقي من التعامل لايقتصر على مجالٍ دون آخر. فالقصصُ السابقة تتعلق بممارسات عملية وسلوكيات شخصية وأخطاء غير مقصودة ورغائب غرائزية اقتصادية أو جسديّة. لكن المربّي يستوعبها جميعاً من اللحظة الأولى بمدخل الرفق والتفهّم، بحيث تهدأ الرّوع البشرية، وتلقي أسلحة الدفاع الذاتي التي تشتعل فطرياً لحظة الهجوم عليها، تمهيداً ليحملها المربّي بعد ذلك إلى آفاق جديدة، من خلال مزيجٍ من الحوار المنطقي والموقف العملي الكريم، وهي آفاق تُظهر للمخطىء معاني مختلفة وفريدة للحياة لم يكن يراها من قبل، فتُحدث في نفسه انقلاباً جذرياً يكون في أغلب الأحيان أشبه بالولادة الثانية. والحقيقة أن قدرة الرسول الكريم على استخراج أفضل مافي الكمون البشري من معاني الخير وقيمه، وعلى إحداث النقلات النفسية والعقلية لدى الناس، هو في النهاية أهمّ مايمكن أن يتعلمه المرء من هذا الإنسان الفريد، ومن تجربته الضخمة في حياة البشر. فرغم أن الناس يتحدثون عن عظمة الرسول كقائد أو زوج أو معلم أو أب أو غير ذلك من أدواره. إلا أن قدرته الفذة على إحداث الانقلابات في نفوس البشر أفراداً وجماعات قد يكون الجانب الذي تحتاج البشرية، ويحتاج العرب والمسلمون، إلى التفكير فيه ودراسته بشكلٍ عميق.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.