محمد بن عبدالله المشوح - عكاظ السعودية العمل الخيري في بلادنا أصيل وعزيز وبارز ومتنوع والحمد لله. وعدد المؤسسات والجمعيات الخيرية في المملكة صار اليوم يناهز 617 جمعية خيرية منها 38 جمعية نسائية و89 مؤسسة خيرية خاصة. وهو عدد يظهر ويبرز يقينا الرغبة الأكيدة لدى هذا المجتمع بدعم وتشجيع من الدولة وفقها الله على المشاركة والإسهام في العمل الخيري بشتى أنواعه وصوره. ومن هنا يتأكد بلا شك دور الجمعيات الفاعلة التي استطاعت تقديم برامج مهمة ومفيدة للمجتمع وجمعيات الأسرة والزواج في نظري هي أحد أهم أذرع العمل الخيري والاجتماعي مطلقا لما لها من دور بارز في بناء الأسرة السعودية وتكوينها وحمايتها من العواصف والرياح العاتية وتحصينها بالجوانب الشرعية والاجتماعية والواقعية، إلا أن كثيرا من تلك الجمعيات مع الأسف والتي يحضر صوتها خلال شهر رمضان المبارك خصوصا لازالت تراوح مكانها. فليس هناك وعي بالدور المناط أو تجديد في العمل والمهام وكذلك استشعار عبء الاستمرارية والديمومة ليأتي دور الوقف الخيري رافدا مهما للعمل الخيري الذي عليه أن يدرك أن استقبال التبرعات الشهرية والسنوية ليس السبيل الأنجح للصرف الدائم ما لم يكن هناك خطط استثمارية رائدة تجني المؤسسة والجمعية من خلالها عوائد جيدة تحفظ تماسكها واستمرارها وعطاءها وبرامجها. استهللت هذه المقدمة وأنا أطالع التقرير الخاص بأحد أهم الجمعيات الخيرية المعنية بالأسرة والزواج وهي جمعية أسرة ببريدة والتي يصلح بحق أن تقدم بصفتها الجمعية الأبرز والأنجح والأنموذج الأمثل من الجمعيات العاملة في هذا الحقل، ولعل من أبرز ملامح التميز هو لم الشتات لتلك الجمعيات التي كانت تعمل منفردة وهي جمعية راغبي الزواج وجمعية التوفيق وإصلاح ذات البين لتصبح جميعها تحت مظلة واحدة بمسمى جمعية أسرة مشتملة على جميع تلك المناشط. وقد تأسست الجمعية سنة 1429ه وهو عمر قصير نسبيا لكن في نظري أننا في العمل الخيري بحاجة إلى عطاءات لا تقاس بأعمار المؤسسات. ومن المؤكد أنه متى توافرت لأي عمل خصوصا الخيري أدوات ومقومات النجاح في نظرة شمولية مؤسسية منظمة مناسبة سوف يظهر الإبداع ويبرز التميز. ومن لطائف هذه الجمعية أنها أول جمعية خيرية تحصل على شهادة الأيزو في الجودة العالمية وهي بلا شك تبرز دقة العمل القائم خصوصا في التنظيم الإداري والمالي للجمعية. ومن المؤكد أيضا أن تقديم برامج الأسرة المختلفة في إصلاح وحل الخلافات الزوجية والإرشاد الأسري ومساعدة الشباب المقبلين على الزواج والتوفيق بين الراغبين والراغبات والعناية الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة خصوصا في تكوين أسرهم يعد عملا تنظيميا يستحق الإشادة. لقد أعجبني جدا أنها من أوائل المؤسسات الخيرية التي بنت رؤية واضحة لعملها ومسيرتها وجهودها والتي قالت عنها الجمعية إنها تسعى لتقديم خدمات مميزة من خلال برامج ومشاريع طموحة تتوافق مع توقعات الفئات المستفيدة من خدمات الجمعية وتلبي طموحات الداعمين لأنشطتها وبرامجها وكلمات مختصرة تصيب الغاية بحق. كما أن الأهداف التي حددتها الجمعية لتحقيقها تؤكد على أهمية الرسالة الملقاة والتي تحقق الكثير منها عبر تقرير دقيق مذهل لا يسع المطلع والقارئ إلا أن يحمد الله عز وجل أن يوجد في بلادنا من هذه النماذج المعطاءة. لقد خضت تجربة مهمة في قضايا الزواج من خلال عملي في مهنة المحاماة وأدركت بحق الحاجة الماسة إلى دور توعوي تنهض به المؤسسات الخيرية الداعمة لحماية الأسرة من التصدع والتهاوي خصوصا أن المحاكم وما تحمله من أعباء ليست قادرة اليوم على تحمل هذه المسؤولية وبالأخص في لم الشمل وإصلاح ذات البين. ولقد أدركت أيضا الحاجة إلى وجود قنوات منظمة تتواكب مع تقنية العصر وحاجاته خصوصا للراغبين والراغبات في الزواج. ومن هنا برز البرنامج الإلكتروني الذي أطلقته الجمعية وهو الأول من نوعه في المملكة حسب علمي ويهدف إلى مساعدة الباحثين والباحثات عن الزواج تحت إشراف نخبة من المؤهلين والمتخصصين في هذا الجانب، وهو برنامج كذلك يعمل وفق أفضل التقنيات في حماية البيانات وسرية المعلومات وخصوصا المتقدم. إننا بقدر ما نسعد بكثرة الجمعيات وإعدادها إلا أن الأهم في نظري لنا كمجتمع أن نسعى لتقديم نماذج متميزة وليست مكررة أو نائمة. ولعل جمعية أسرة تصلح أن تقدم أنموذجا رائعا يقتدى ويحتذى به. كما آمل أن يتم الاستفادة من تجاربها الهائلة رغم قصر عمرها. والأمل كذلك أن تعنى وزارة الشؤون الاجتماعية بمتابعة وتقييم الجمعيات الفاعلة وتكريمها وإذكاء روح التنافس بين الجمعيات. ولقد سررت شخصيا بالحضور والمشاركة في الملتقى الثاني للجمعيات المعنية بالأسرة والزواج والذي احتضنته جمعية أسرة في بريدة. واستمعت إلى بهجة الحضور بالعطاءات المقدمة وكذلك الاستفادة من البرامج التي تقدمها الجمعية وتبادل الخبرات والأفكار خصوصا بلادنا الغالية مترامية الأطراف ونقل التجارب أو ابتكار الأفضل أمر محمود ورائع. ولعل في هذا الشهر المبارك فرصة لإطلاع أهل الخير على هذه الجمعية الرائدة وغيرها من الجمعيات الفاعلة.