ينطلق العمل الخيري في المملكة من مبادئ وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وقد حظي بدعم الدولة وتشجيعها ورعايتها، وبتضافر الجهود الحكومية والأهلية أصبح للعمل الخيري مكانته في خطط التنمية وبرامج حكومة خادم الحرمين الشريفين التي ركزت على أن يكون الإنسان السعودي وسيلة التنمية وغايتها. وتجسد الجمعيات الخيرية والإنسانية صورة عملية من صور التكافل الاجتماعي في الإسلام نحو الرفع من مستوى الحياة، وإحداث تغيير مفيد في أسلوب العمل والمعيشة في المجتمعات المحلية "ريفية وحضرية" مع الإفادة من إمكانات تلك المجتمعات المادية وطاقاتها البشرية بأسلوب يوائم بين حاجات المجتمع السعودي وتقاليده وقيمه الدينية والحضارية. وفي الوقت ذاته يجسد صورة المسلم الذي يتعامل مع العالم بأكمله من جانب إسلامي، وهدفه واضح في حب ونشر عمل الخير في كل مكان للمستفيدين منه ولمقابلة احتياجاتهم وحل مشكلاتهم والانتفاع بإمكاناتهم وطاقاتهم من أجل النهوض بصورة متكاملة بجوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات المحلية، وتحقيق التكامل بينها من أجل التقدم الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع السعودي. أرملة تتلقى مساعدة الجمعية من المواد الغذائية وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود- حفظه الله- استطاع العمل الخيري أن يقفز إلى الضعف من ناحية عدد المؤسسات الراعية التي وصل عددها إلى أكثر من (650) مؤسسة خيرية، حيث تعد المملكة من أكبر المانحين على مستوى العالم في الأعمال الخيرية بنسبة من إجمالي الناتج القومي السعودي. كما أن العمل الخيري تعبير حقيقي عن حالة الحضارة والرقي والمشاركة التنموية، والتي أتاحها خادم الحرمين الشريفين للمواطنين لصنع مستقبلهم الاجتماعي، فجميع الجمعيات الخيرية والإنسانية المنتشرة في أنحاء المملكة، تعمل على المساعدة في تقديم المعلومات اللازمة للراغبين من الأرامل والأيتام وكبار السن والمعوقين والنساء المهجورات وغيرهم من المحتاجين في المجتمع. أسلوب حديث الوصول إلى الفقراء في منازلهم وتقديم الدعم المادي والمالي لهم وأكد "د. قيس المبارك" - عضو هيئة كبار العلماء - أن الجمعيات الخيرية أسلوب حديث في التكافل الاجتماعي، والمصير إليه فرضتْهُ طبيعة الحياة الاجتماعية اليوم، مبيناً أن التعدد في الجمعيات من حيث الكم ومن حيث الكيف يُعد ظاهرة حسنة وسببا للتنافس في التطوير وتحسين الأداء، ويكون هذا بأن تتطلَّع كل جمعية إلى أنْ تسبق غيرها في تقديم الخدمات بأفضل السبل وأسرعها، وهذا خير من ألا يكون في البلد إلا جمعية واحدة لا تجد ما يدفعها لتحسين وضعها، منوهاً أن تعدد الجمعيات مظهر حسن ما لم يزدد العدد زيادة لا معنى لها، والذي يقدِّر ذلك هي الجهة المشرفة على الجمعيات كوزارة الشؤون الاجتماعية. وقال: "لم تعد الجمعيات الخيرية والإنسانية كما في السابق فقد خرجت من المفهوم الضيق إلى المفهوم العالمي فالأعمال الخيرية حينما ترتبط بمكان محدد وبفئة محددة فان نجاحها يكون محدودا؛ فتواجد المملكة العالمي في المجال الخيري والإنساني جعل من اسم المملكة موجوداً كما هو دائماً حاضرا في الكثير من النجاحات التي حققتها المملكة في المجالات الخيرية". تزايد الجمعيات وذكر معالي وزير الشؤون الاجتماعية "د. يوسف بن أحمد العثيمين" في تقديمه لدليل الجمعيات الخيرية في المملكة العربية السعودية لهذا لعام 1433ه -الذي أصدرته وكالة وزارة الشؤون الاجتماعية للتنمية الاجتماعية- أن العمل الخيري في المملكة ينطلق من مبادئ وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف ويحظى بدعم الدولة وتشجيعها ورعايتها، مما نتج عن ذلك تزايد الجمعيات الخيرية وانتشارها في جميع المحافظات والمراكز في مناطق المملكة؛ لتقديم خدمات اجتماعية منوعة، مما جعل للعمل الخيري مكانته في خطط التنمية، حيث بلغ عدد الجمعيات الخيرية حالياً (617) جمعية خيرية، منها (38) جمعية نسائية، إضافة إلى وجود لجان نسائية في بقية الجمعيات الخيرية، وعدد (89) مؤسسة خيرية خاصة. وأوضح "د. العثيمين" أن الوزارة خلال السنوات الماضية شجّعت مبادرات المواطنين بتأسيس الجمعيات الخيرية المتخصصة في مجالات معينة مثل جمعيات مكافحة المخدرات ومكافحة التدخين والجمعيات الصحية المتخصصة مثل جمعيات السكري والسرطان والكلى وأنواع معينة من الإعاقة مثل جمعية متلازمة داون والمكفوفين والتوحد والبيئة وحماية الأسرة من العنف الأسري وجمعيات الزهايمر والإيدز والكبد وغيرها من الجمعيات المتخصصة. وبين معاليه أن "وزارة الشؤون الاجتماعية" وثّقت بيانات هذه الجمعيات الخيرية من خلال إعداد دليل يحوي البيانات الأساسية للجمعيات الخيرية وتوزيعها حسب مناطق المملكة المختلفة وعناوينها لتسهيل الوصول إليها من المحتاجين والداعمين الذين يرغبون التبرع لهذه الجمعيات. تكافل وتعاطف وأشار "محمد بن فحاس" -الأمين العام للمجلس التنسيقي للجمعيات الخيرية بمنطقة عسير وأمين عام جمعية البر الخيرية بأبها- إلى أن انتشار الجمعيات الخيرية والإنسانية بالمملكة يدل على التكافل والتعاطف وحب الخير ودعم الأسر المحتاجة ودعمها في كلا الناحيتين الاجتماعية والإنسانية، لتطوير وتنمية المجتمع إنسانياً وتحسين أوضاعه التعليمية والصحية والاجتماعية والاقتصادية، والإسهام المادي والمعنوي في جميع مجالات البر والإحسان وأوجه الخير. وقال إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- حفظه الله- وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز- حفظه الله- يسطران لنا دائماً أروع المُثل في دعم العمل الخيري والجمعيات الخيرية مادياً؛ حتى أضحت المملكة رائدة العمل الخيري والإنساني على مستوى العالم الإسلامي بل والعالم أجمع، ولا ننسى الدعم المادي من رجال وسيدات البر والإحسان من أبناء هذا الوطن المعطاء فبدعمهم تستمر الجمعيات الخيرية في العطاء وأضاف أن كثيرا من الميسورين لديهم عدد من المشروعات لتقديم المساعدات الخيرية والإنسانية للمستحقين، سواء من المرضى او ذوي الدخل المحدود وغيرهم، مبيناً أن منطقة عسير تضم (59) جمعية خيرية وإنسانية تقدم مساعداتها لحوالي (62) ألف أسرة مستفيدة ومسجلة لديهم، وتقدم لهم هذه الجمعيات مساعدات عينية ومالية، إلى جانب تدريب أبنائهم وبناتهم ودعم مشروعاتهم وتدفع بهم للعمل وتنتقل لأسر منتجة لها دورها بتنمية المجتمع، موضحاً أن المساعدات الدورية والطارئة تصنف على حسب حالة كل أسرة، كما تسعى هذه الجمعيات الى تزويج الشباب، وكفالة اليتيم، والمعوقين، ومن لديهم أمراض كالكلى والسرطان، فضلاً عن الجمعيات الأخرى المتخصصة بمعالجة الإدمان من المخدرات. وبيّن أن الاهتمام بالوقف من جانب الجمعيات يأتي لضمان استمرار العطاء وتدفق المساعدات للأسر المتعففة والمحتاجين، وهو وجه حضاري جميل للمجتمع الإسلامي، نُقل إلى المجتمعات الغربية التي استطاعت توظيفه بشكل كبير في بناء المؤسسات التعليمية والثقافية وخدمة المجتمع هناك. وأضاف: "رأينا مئات من الخيّرين الذين يُوقفون أموالهم على العمل الخيري والدعوة إلى الله، وعلى طلاب العلم ومراكز تحفيظ القرآن الكريم والفقراء المساكين وكافة المشروعات الخيرية والإنسانية، وكانت هذه الأوقاف تتمثل في العقارات والمساجد وسكن الضيافة والمحلات التجارية وغيرها وتباشرها دوائر الأوقاف والشؤون الإسلامية والمؤسسات الخيرية المعنية بعمل الخير والبر. دور إيجابي ويرى "د. صالح الدسيماني" - مدير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بنجران - أن الجمعيات الخيرية في المملكة تحمل دوراً ايجابياً في سد حاجات الفقراء وإيواء المشردين ورعاية الأيتام وتقديم الأغذية للمحتاجين وكذلك معالجة المرضى، فالعمل الاجتماعي والتنموي التطوعي يعد من أهم الوسائل المستخدمة للمشاركة في النهوض بمكانة المجتمعات في عصرنا الحالي، حيث تقوم غالبية الجمعيات بتنفيذ العديد من الأنشطة والبرامج المختلفة منها المساعدات النقدية والعينية للأسر المحتاجة وتنفيذ برامج التعليم والتدريب والتأهيل لتحويل الافراد من متلقين للإعانات إلى أعضاء فاعلين في المجتمع من خلال إلحاقهم بدورات تدريبية يحتاجها سوق العمل وتنفيذ برامج الرعاية الصحية ودعم برامج الأسر المنتجة وتنفيذ برامج الإرشاد الأسري وإصلاح ذات البين ودعم الشباب راغبي الزواج وتأهيلهم للحياة الزوجية ودعم أسر السجناء وعائلاتهم ورعاية المعوقين وكبار السن وبرامج التوعية الصحية والاجتماعية والثقافية وبرامج الحماية الأسرية والحد من ظاهرة العنف الأسري. وقال: "هناك جمعيات تختص بتقديم المساعدات النقدية وأعمال البر والتوعية والتأهيل الاجتماعي والمجال الصحي والتوعية الصحية للأيتام والمعوقين وغيرها من الجمعيات ذات الأنشطة والتخصصات، حيث أن العمل الاجتماعي يكتسب أهمية متزايدة يوماً بعد يوم، فمع تعقّد الظروف الحياتية ازدادت الاحتياجات الاجتماعية وأصبحت في تغيّر مستمر ولذلك كان لا بد من وجود جهة أخرى موازية للجهات الحكومية تعمل على ملء المجال العام وتكمّل دور الجهات الحكومية في تلبية الاحتياجات الاجتماعية، لذلك فالجمعيات الخيرية على مستوى المملكة تتطلع دائماً لسد حاجة المحتاج". وأضاف أن العمل الاجتماعي الخيري عمل تكاملي لا بد من تكاتف الجهود على كافة المستويات والشرائح لتحقيق أعلى درجات التكافل والترابط بين أفراد الشعب الواحد، فللجمعيات الخيرية دور ولرجال الأعمال دور وأيضاً لوسائل الإعلام دور في النهضة الاجتماعية، وعندما نصل لتحقيق تلك الأدوار ستجد أن المجتمع سيصل لمرحلة الاكتفاء وبالتالي سنرى أن ميزانيات الجمعيات الخيرية ستفي باحتياجات أغلب مستفيديها.