تطالعنا بعض الصحف والمقالات، في الآونة الأخيرة، بأخبار عن تحقيقات سارية وقضايا منظورة أمام المحاكم ضد قضاة وكتاب عدل ارتكبوا مخالفات، منها التزوير والرشوة واستغلال النفوذ.. وغيرها من المخالفات التي تسببت في ضياع مئات الملايين من أموال أشخاص عاديين واعتباريين. الجدير بالذكر أن هذه الأخبار أصبحت تتداول بين الناس بعد فترة طويلة من محاولة إظهار أن جميع القضاة منزهون من الخطأ، والحقيقة أنهم بشر يصيبون ويخطئون، بل إنهم يخطئون في حق أنفسهم مع الله، ألم يقل الرسول عليه الصلاة والسلام: (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)، هذا في حق الله، فكيف في حق البشر. ولا بد هنا من الإشارة إلى أن الإفصاح عن أخطاء القضاة ومعاقبتهم على تجاوزاتهم لا يدل على أن هيبة القضاة قد تلاشت، بل يدل على أن هناك شفافية ورقابة بدأت تسمو في مرفق القضاء بالشكل الذي حتما سينعكس على تحقيق عدالة أكبر وتعزيز ثقة بين مرفق القضاء وعامة الناس، وهذا ما نعايشه ونعيشه الآن. وسؤال هذه المقالة لوزير العدل هو: أما آن الأوان لتوظيف قضاة من خريجي القانون؟، لماذا يخطر بالبال دائما أن خريج القانون لا يصلح للقضاء؟، ألم ينجح خريجو القانون في تحقيق الكفاءة في هيئة التحقيق والادعاء العام، وهيئة الرقابة والتحقيق، وجميع الهيئات القضائية؟، ألم ينجحوا في مكتب العمل، ووزارة التجارة، وغيرها من الوزارات؟، لماذا إذا الانتقاص من قدراتهم وحصر القضاء في مجموعة معينة من خريجي الشريعة؟. يا وزير العدل نحن نحتاج إلى بناء جسور من الثقة بين خريجي القانون ومرفق القضاء، بحيث يتم تعيينهم كقضاة متدربين، ثم يتم إخضاعهم لبرنامج تدريبي وتأهيلي في معاهد القضاء حتى يكونوا جاهزين للعمل في هذا المرفق على أكمل وجه. يا معالي الوزير، نحن نحتاج إلى نظام صارم يحكم مرفق القضاء، بحيث يحاسب من يقصر ويجازى من يخالف ويعاقب من يتجاوز، حتى لانترك القاضي لضميره وإيمانه وما تمليه عليه نفسه. وعند وجود هذا النظام الصارم الذي يخضع له جميع القضاة، فما المانع إذا من تعيين خريجي القانون، فالعبرة إذا بالنظام وليست بالأشخاص. وكما تعلم يا معالي الوزير فإن بعض الدول المجاورة قد عينت في محاكمها قضاة يحملون جنسيات أخرى، منهم خريجو القانون، ومنهم دون ذلك، إلا أن قضاءهم فعال جدا، فالعبرة عندهم بتطبيق الرقابة على القضاء، وليس مبنيا على نوعية الأشخاص. * أكاديمي ومستشار قانوني