تمر بعض بلادنا العربية في هذه الأيام بأزمة سياسية حادة، ربما لم يسبق لها مثيل من حيث ارتكازها على الثورة الشعبية فيما عرف (بالربيع العربي). وهناك من يرى أن هذه الأزمات السياسية المكتسحة لسلام بعض أجزاء العالم العربي، ما هي إلا بوادر إصلاح وضرورة حتمية لتحقيق الانتقال إلى الأفضل، وأنها ستنتهي يوما إلى انتصار الحق. إلا أن القائلين بهذا انقسموا فيما بينهم حول تفاصيل مضمون الإصلاح الذي يعنونه، منهم من يعني بالإصلاح العودة إلى الماضي واقتفاء آثار السلف مؤمنا أن ذلك وحده هو المنقذ للعالم العربي من الفساد والضلال والضعف والهوان، ومنهم من يرفض ذلك ويرى الإصلاح في الانتفاض على القديم والتكيف مع الزمن الحديث وما جاء به من المتغيرات. في ظل هذا المفهوم المتفاوت للإصلاح انبثقت حركات سياسية تتدثر بشعار الدين الإسلامي اشتهرت بين الناس بالحركة الإسلامية، إلا أنها برغم تدثرها بدثار واحد (الاسلام)، هي في باطنها مختلفة فيما بينها تفرعت إلى فرق واتجاهات متناحرة بعضها غير راضٍ عن بعض، فانشغل الناس بها وكثر حديثهم حولها وانقسموا بشأنها إلى مدعم مؤيد، أو نافر مناهض، أما أن تجد متحدثا متجردا يتناول الحركة الإسلامية بحيادية ورؤية غير منحازة لها أو ضدها، فذلك أندر من النادر. لذلك لما رأيت كتابا يحمل عنوان (الحركة الإسلامية: رؤية نقدية) معروضا ضمن محتويات معرض الكتاب الأخير في الرياض، جذبني عنوانه وتوقعت أني سأجد بين دفتيه مناقشة محايدة للحركة الإسلامية تكشف الغموض عن كثير من زواياها الخافية. اقتنيت الكتاب بحماسة المتشوق للمعرفة، لكن الحماسة لم تدم طويلا إذ سرعان ما اكتشفت منذ الصفحات الأولى أن توقعاتي كانت غير صحيحة. وأن الكتاب لم يكن سوى مجموعة من المقالات المكتوبة للدفاع عن الحركة الإسلامية وليس لمناقشة مضمونها وتبيان جوانبها المختلفة كما كنت أظن. موضوع الكتاب يتمثل في طرح بعض ما قيل من انتقادات موجهة للحركة الإسلامية والرد عليها في صورة مملوءة بالانحياز والبعد عن التجرد. ولو أن الكتاب اختير له عنوان (دفاع عن الحركة الإسلامية) لربما كان أقرب إلى الحقيقة، فهو لم يقدم رؤية نقدية محايدة كما يتبادر إلى الذهن من خلال عنوانه وإنما تمثل فيه الميل والرغبة في الدفاع عن الحركة وشجب ما يقوله الخصوم. دفاع الكتاب عن الحركة الإسلامية أثار في صدري سؤالا لا أدري ما إجابته!! إن كانت الحركة الإسلامية كما يسعى هذا الكتاب إلى إقناعنا به (خالصة من العيوب)، ما الذي يجعل البعض يناهضها؟. ما أقصده هو إن كانت الحركة الإسلامية تقدم مشروعا إصلاحيا متكاملا يحقق الخير للجميع، لم يختلف الناس حولها ؟.