أكتب لكم هذا المقال من قاعة دسمان في مطار الكويت على صدى موقف جعلني أتأمل فيه كثيراً ، فأحد المدعوين لأحد الملتقيات الإعلامية الدولية العاشر غاب عن المؤتمر لأنه اكتشف أنه على الدرجة السياحية بينما يوجد من الضيوف الذين يساوونه ويقلون عنه يعتلون الدرجة الأولى. كثير من المشاكل التي يتذمر منها الناس يعود أصلها إلى الشعور بعدم الاهتمام من قبل الآخرين ما ينعكس سلباً على نفسياتنا وردود أفعالنا ، فضعف مراسم الاستقبال لرئيس دولة سبب كافٍ لقطع العلاقة مع تلك الدولة ، والوقوف على الضد منها في المسرح الدولي لأنهم أهانوا الزعيم ولم يتعاملوا معه كما يليق به ، وحتى على المستوى الاجتماعي تجد أن العتب يتجدد كل عام في الأوساط النسائية لأن البطاقات الخاصة لذلك الزواج لم تصلنا وتم تجاهلنا فيها ، أو لم تكن بالعدد الذي تستحقه العائلة الباحثة عن الاهتمام في ثنايا الأفراح ، والتأخر في الإبلاغ عن الخطبة هو ترجمة واضحة لانخفاض مستوى التقدير المنتظر . الشعور بأننا لم نقدر بما فيه الكفاية يسبب لنا ألماً نفسياً تنعكس آثاره على سلوكنا لاحقاً ، وعدم ضبط هذه النفسية أو السلوك المترتب عليه قد يجعلنا في توترات دائمة مع من حولنا ، ولو خفضنا من سقف توقعاتنا من الآخرين لاشترينا كثيراً من الراحة والطمأنينة ، وسيجعلنا نفرح بما يأتي ولا نغضب بما يفوت ، فتقديرك الكبير لنفسك يجعلك تكتفي به عن تقدير من لايهتم بك القيمة عندنا نقيسها باهتمام الآخرين بنا ، وأعرف كثيراً من الشخصيات الاعتبارية التي تقيس علاقتها بالآخرين بمقدار ذكرهم وثنائهم عليهم على رؤوس الأشهاد. ثقافة «التوجيب» حاضرة بقوة في ثقافتنا ، فنحن نهتم بمكان الجلوس في المجالس وسفر الطعام لأنها جزء من هذه الثقافة ، وحتى نوعية الأكل المقدم لنا نفسره بقيمة التقدير ، فنحر الخراف المشبعة بالدهون هو علامة تقدير ، وأطباق الدجاج هي جزء من «الحقران» الذي لا يتفق مع معايير الصحراء ورجالها. الشعور بأننا لم نقدر بما فيه الكفاية يسبب لنا ألماً نفسياً تنعكس آثاره على سلوكنا لاحقاً ، وعدم ضبط هذه النفسية أو السلوك المترتب عليه قد يجعلنا في توترات دائمة مع من حولنا ، ولو خفضنا من سقف توقعاتنا من الآخرين لاشترينا كثيراً من الراحة والطمأنينة ، وسيجعلنا نفرح بما يأتي ولا نغضب بما يفوت ، فتقديرك الكبير لنفسك يجعلك تكتفي به عن تقدير من لايهتم بك . وفي المقابل علينا بذل ما نستطيع من الاهتمام للآخرين ، فالناس تثمن مبادرات الاهتمام وهذا كعب بن مالك لما تاب الله عليه قفز إليه طليحة فضمه وهنأه بتوبة الله عليه فقال كعب : (والله ما أنساها له ) ، وحتى المجاملات اللطيفة ترسل رسالة ايجابية تقول : أنا أهتم بك ، وعندما تمكن الناس من الحديث عن أنفسهم فأنت تسبب لهم السعادة لأنهم أشبعوا من «غريزة الاهتمام» . تقديم الاهتمام بالآخرين هو كرم اجتماعي يسد جوعاً نفسياً ، وخفض العتب على من تجاهلنا يجعل حياتنا أفضل .