أتذكر حالة الترقب التي عاشها الناس في السعودية يوم إعلان نتائج الانتخابات المصرية، عبر العديد من وسائل الإعلام وشبكات التواصل، وحتى رسائل الجوالات.. إلخ. أخيراً صار مرسي رئيساً لمصر، وانهال كثيرٌ جداً من السعوديين بالتهليل والتكبير والتمجيد وتبادل التهاني. شخصياً لم أخض في هذا الأمر، باستثناء رسالة عزاء خاصة لأحد أصدقائي المصريين، والذي كان من ناحيته يعتبر المرشحين الاثنين أسوأ من بعضهما، كتبت له: "آسف يا صديقي لكل هذا. كنت أتمنى أن تسير الأمور لغير هاتين المرارتين. الآن أنتم ونحن وكل من يحلم بمدنية قانونية حقيقية، في مواجهة كارثية طويلة مع جماعات الإسلام السياسي، أقول هذا لأني أعرف ماذا تعني السلطة لهم، وكيف مشوا ويمشون للوصول إليها على جسر الدين، وأخمّن ما الذي سيفعلونه مستقبلاً على الجسر نفسه". سأتحدث عن شخصية مؤثرة، عرفتها وربما كثيرون عرفوها، بعد ثورة 25 يناير، هو الإعلامي "المثقف" د. باسم يوسف، صاحب برنامج "البرنامج"، (يُبث عند الحادية عشرة مساء كل جمعة، في قناة سي بي سي المصرية)، وأتحدث عنه مُعتبراً عدة زوايا تتعلق برؤيته الواعية، وحرفيته وأدائه العالي، وأخيراً؛ التساؤل عن فرصة وجود نماذج مشابهة لدينا، منحازة لأوجاع الناس، وتحاول تعرية أية محاولات لاستغفالهم من أية جهة كانت، عبر هذه الكوميديا السوداء، المضحكة والمريرة. الطبيب جرّاح القلب، باسم يوسف، بفريق عمل ومحامٍ وبأستوديو ضخم مفتوح للجمهور، يُعمل بتنّوع رؤيته الإنسانية والمدنية في تناقض الخطابات الإعلامية والسياسية والدينية، يفضح بمهارة وتوثيق دقيق الإعلاميين الذين استغلوا منابرهم لتمجيد الاستبداد، ثم انقلبوا على أنفسهم بعد سقوط النظام السابق، دون أي اعتذار لضمير الناس الذين ضللوهم من قبل. ويشتغل بنفسٍ أعلى على رصد الخطاب السياسي والديني معاً، والذي يعتبره باسم احتيالاً على إرادة الناس وسعياً من خلال تمكنهما من موقع القوة، للاستحواذ على كل شيء، و"تديين" الواقع السياسي، بل و"تديين" مجتمعٍ بأكمله قسراً، مستعرضاً بسخرية غاضبة ما يقوله محتكرو الإسلام، الذين لا يرون الآخرين سوى حفنة من الكفرة والضّالين على أفضل تقدير، مبشرين بقدوم الإسلام، وأنهم أعادوا فتح مصر. في الجزء الأخير من كل حلقة يستضيف باسم موسيقيين وكُتّابا وفنانين إلخ، ومهما قيل عن تأثره ببرنامج جون ستيوارت، فإنها ربما تكون أول مرة في إعلام الوطن العربي يظهر مثل هذا النموذج وبهذه الشعبية والبراعة. أخيراً أعيد التساؤل فيما يخص واقعنا نحن؛ هل هناك فرصة لظهور مثل هذا البرنامج وهذه الشخصية؟ هل يستطيع أحد ملاّك إمبراطورياتنا الإعلامية فعل هذا، ولو بنصف ما يقدمه باسم؟!