قبل عشرين سنة تقريبا، عرّفني صديق بأحد ضباط المباحث في إحدى الدول العربية، وبعد السلام والسؤال، مازحت صديقي قائلا له: للتو عرفت أنك "مباحث"، ما دام صديقك هذا "مباحث"، فقال لي الضابط: إنه يشك في أن زوجته تتجسس عليه وتراقبه، وترفع عنه تقارير، وإنه يشك في أن زواجه منها في الأساس لم يكن طبيعيا، بل كان مخططا له من قبل المباحث، رغم أنه يتذكر أنه تزوج عن حب وعلاقة توجها بالزواج. هذه الظنون قالها لي ذلك الضابط؛ ليثبت لي أن الطريقة التي تعمل بها إدارات المباحث في العالم، بما فيها الدولة التي هو منها، وتحديدا ما يعمله هو من ناحية توظيف من لا يمكن توقعهم في هذا القطاع؛ ليمتهنوا وظيفة التجسس، جعله يشك في أن ما يفعله في الآخرين ربما فعلوه به عن طريق زوجته!. تحضر أمامي هذه القصة رغم قدمها، كلما قرأت وسمعت التحليلات التي تتحدث عما آلت إليه الأوضاع في الدول التي مر عليها ما يسمى بالربيع العربي، أقصد تلك التحليلات التي تقول: إن ما حدث كله كان مرتبا، بدءا من سقوط الأنظمة، وانتهاء بتولي الإسلاميين مقاليد الحكم، ثم ما يحدث حاليا في الشارع من مظاهرات واغتيالات واعتراضات. ذاك الضابط حاول أن يفهمني، أنه ينبغي على الناس في بلاده أن تشك في كل شيء، وألا تثق في أي أحد، مثلما بات هو يشك في زوجته، وهو يظن وفق رسالته التي حتما أوصلها للمستهدفين في بلاده، أن هذا النهج قادر على أن يحقق أهدافه وأهداف القطاع الذي يعمل به ليظل مجتمعهم رهين الشك والقلق. لست أدري ما إذا كان ذلك الضابط حيا أم ميتا، لأسأله عما إذا كان منهج تفكيره أو المهمة التي أنيطت بزوجته لها دور فيما يحدث الآن في بلاده، "اللهم عافهم ولا تبلينا".