بعد أن أحكمت وضع مسجل إلكتروني صغير الحجم في حقيبة الشاي، التي يداوم الزوج على اصطحابها معه إلى المقهى، كما يخبرها لدى عزمه على الخروج دائما، أخذت تفكر في الدافع وراء تصرفها هذا؟.. لم تجد إجابة سوى الشك والغيرة، اللذين فتح بابهما على مصراعيهما إلحاح واستشارات ووسوسة صويحباتها في أذنيها: "حبيبتي.. أنت طيبة زيادة عن اللزوم".. "أتحداك إن لم يكن زوجك يخونك".. "طيب جربي تنفيذ ها الخطة وشوفي وش يطلع معك".. "طيب تأكدي وبعدين اعترضي".. "طيب ليش ياخذ معه شاي وقهوة كل يوم وهو يخبرك انه رايح للقهوة اللي ماتخلى من القهوة والشاي؟!". الصويحبات الناصحات خططن ودبرن للزوجة الضحية خطة محكمة؛ للتأكد من صحة مزاعم زوجها!.. ووفرن لها الدعم التكنولوجي، المتمثل في جهاز المسجل دقيق الحجم.. الذي زرعته الزوجة في حقيبة زوجها. عندما عاد الزوج إلى المنزل.. انتزعت الزوجة المسجل الإلكتروني وأنصتت إليه، فإذا به كثير من الغراميات التي كانت تدور بين زوجها وفتيات من جنسيات مختلفة عبر شبكة الإنترنت.. تبين للزوجة أن زوجها كان يتردد على مقهى إنترنت، وليس على دار للقهوة!. هذه باختصار قصة إحدى الزوجات.. وقد أصبحت سيناريو شبه متكرر في كثير من العلاقات الزوجية.. التي تقدمها "شمس" عبر هذا التحقيق: الفشيلة! في البداية التقينا أم عبدالرحمن (مدرسة 38 سنة).. وسألناها عن حقيقة تجسس الزوجات على الأزواج، وهل خيانة الزوج أصبحت بديهية في العلاقات الزوجية؟.. تقول أم عبدالرحمن: "إن الأمر نسبي، ويتوقف على الثقة بين الزوج والزوجة، وعمق العلاقة بينهما، فضلا عن أخلاق الزوج وخشيته لربه". وتضيف: "كانت لنا زميلة في العمل تتبرع بسيارتها الخاصة لكل زميلة لها رغبة في مداهمة زوجها؛ لتتحقق مما إذا كان يخونها أم لا". وتذكر: "في أحد الأيام قررت زميلتي صاحبة السيارة أن تقوم هي الأخرى بتجريب حظها ومداهمة زوجها!.. لكنها أُحبِطت عندما دخلت على زوجها، ووجدته نائما؛ ما اضطرها إلى اختلاق مشكلة، حتى لا يذهب (مشوارها) سدى!.. إلا أن هذه المسألة تصاعدت إلى خلاف، كاد أن ينتهي بالطلاق لولا لطف الله، والنواة كانت مجرد شك". مجالس النساء وحول سلوك التجسس وما يترتب عليه تقول أم فيصل (42 سنة): "التجسس أصبح واقعا يكاد يفرض نفسه على الزوجات، والسبب تصرفات الأزواج غير المسؤولة". وتؤكد أن هذا السلوك (للأسف) يتم تأجيج أواره من قبل مجالس النساء، حتى أصبحن يتواصين فيما بينهن بفنونه، ويتداولن أحدث أساليبه. وتضيف: "أنا شخصيا لا أؤيد التجسس على الزوج، وإن كانت إحدى الصديقات تلح علي به، إلا أنني من مجرد التفكير فيه تسرب القلق إلى نفسي، لكنني لجمتها ولم أقدم على مثل هذه الخطوة". غيرة مَرضية وتؤكد عواطف باطرفي أن أكثر المتجسسات هن من مدمنات مشاهدة الفضائيات؛ ما يولّد لديهن شعورا بالنقص، عندما يرين النساء الجميلات، فيعتقدن أن أزواجهن ينظرن إليهن بعين النقص. وتضيف أن هؤلاء يلجأن بالتالي إلى البحث عن العلاقات الأخرى. وتذكر أن وسائل التجسس متعددة وكثيرة، وأبرزها، على سبيل المثال، تفتيش الجيوب والجوالات. وتقول باطرفي إن بعض الزوجات قد يلجأن إلى سؤال زوجات أصدقاء زوجها عن تفاصيل تحركاتهم. وتضيف: "يجب على المتجسسة على زوجها أن تعود إلى نفسها وتحاسبها؛ لتعرف ما الدوافع التي جعلتها تتجسس على زوجها، إن كانت لديها أسباب وجيهة". وتقول: "وإلا فلا بد أن تعرض نفسها على طبيب نفسي؛ لأن حالتها تطورت من الغيرة الطبيعية إلى الغيرة المرضية". التقصير.. والمواجهة أما فوزية الشهري (مدرسة لغة عربية) فترى أن التجسس غالبا ما يكون نابعا من إحساس الزوجة بالتقصير في واجباتها تجاه زوجها. وتوضح أن هذا يجعل الزوجة في حالة هلع وخوف من أن يبحث زوجها عن غيرها، أو عن علاقات محرمة، فيدفعها الفضول إلى التجسس. وتضيف: "المتجسسة تفسد حياتها من دون أن تعلم؛ لأنها قد تؤدي بتصرفاتها إلى طلاقها، ولكن في حالة ما إذا كانت شكوك الزوجة ملحة، ولها وجاهتها فعليها أن تواجه الرجل، بدلا من أن تتجسس عليه". وتذكر أنه "من الصعب على المرأة أن تتقبل العيش مع من لا تثق به، إلا إذا كانت ظروفها صعبة، ولا تستطيع تحقيق متطلبات المعيشة دونه". وحول تاريخ التجسس الزوجي ترى الشهري أن ظاهرة التجسس تعتبر جديدة على المجتمع السعودي. وتقول: "إن السبب هو الانفتاح الثقافي، من خلال القنوات الفضائية، التي أصبحت تؤجج الغيرة عند المرأة بتأثير مما تشاهده". وتضيف أن هناك سببا آخر، هو الطفرة الاقتصادية التي أتاحت للأزواج السفر للخارج، والارتباط بنساء بزواج ودون زواج، والدليل على ذلك انتشار زواج المسيار. لا بد من التجسُّس وتقول (م.ع)، التي رفضت ذكر اسمها، إن التجسس حق مشروع للمرأة؛ من أجل المحافظة على سفينة الزواج من أن تصيبها الثقوب، التي قد تؤدي إلى غرقها مع مرور الوقت. وتعتبر أن عدم تجسس المرأة على زوجها من قبيل الغباء أو السذاجة! حق قديم وتذكر الدكتورة عائشة نتو (خبيرة مال وأعمال ومهتمة بالشؤون الاجتماعية) أن مسألة التجسس ليست ظاهرة خاصة بالسعوديات، بل يشترك معها بنات جنسها من الدول الغربية، حتى أصبح في بعض الدول جهات رسمية مختصة بالتجسس لصالح الزوجة على زوجها. وتضيف أن التجسس ليس موضوعا جديدا، بل إن الجدات كن يتجسسن كذلك على أزواجهن، لكن اختلفت الوسائل والطرق. وتعتبر نتو أن التجسس من حق الزوجة، وليس فيه أي خلل اجتماعي. وتقول: "إن من واجبات الزوجة التأكد من سلوك زوجها؛ حتى يتسنى لها تصحيح الوضع، ومراجعة نفسها، أولا لتعرف ماهية أسباب بحث الزوج عن العلاقة خارج الحياة الزوجية، ومن ثم تسعى لتصحيح الوضع". وتستدرك نتو بقولها: "إن الأصل أن تبنى العلاقة بين الزوجين على الثقة، وأن يحاول كل منهما أن يكون واضحا أمام الآخر". وتضيف: "لكن إذا شكت المرأة في سلوك زوجها، فيجب عليها أن تتجسس عليه حتى تصحح من الوضع"! وللرجال رأي ويرى حسام العبد الله أن تجسس المرأة من عدمه يعود إلى ثقافتها ومستواها التعليمي. ويوضح أن التجسس غالبا ما ينتشر بين النساء ذوات المراحل التعليمية المتدنية. ويضيف أن المرأة المثقفة تبتعد عن هذه الأمور، وتعتبرها تافهة، ولا تركز عليها في الغالب. ويرجع أسباب التجسس إلى سلوك الزوج، فإذا كان سلوك الزوج مستقيما، فلن تضطر المرأة إلى التجسس. ويضيف العبدالله أن هناك من الشباب من يعتبر الجوال شأنا خاصا به، وليس للزوجة أن تتحقق منه، ويبني حياته على ذلك، مما قد يثير فضول الزوجة، وتبدأ عمليات الشك ومن ثم التجسس. ويوضح: "أعرف رجالا كبارا في السن وعقلاء، إلا أنهم يضعون في جوالاتهم مقاطع للتسلية، تحتوي على ألفاظ مخجلة، يرى هو أنه من غير اللائق أن تستمع إليها زوجته، فيبحث عن برامج الحماية؛ حتى لا تتمكن زوجته من الوصول إليها؛ ما قد يثير شكوك المرأة رغم أن الزوج نظيف جدا من العلاقات المشبوهة". المشاركة.. والثقة أما عبدالله المحيا فيرى أن التجسس على الزوج لا يعد ظاهرة في المجتمعات المحافظة. ويضيف أنه ينتشر في المجتمعات الأكثر انفتاحا، ويعزو ذلك إلى كمية الثقة المتبادلة بين الزوجين؛ نظرا إلى أنهما من غير أصحاب السوابق. ويضيف: "أكثر ما يثير شكوك المرأة هو أن يكون زوجها صاحب علاقات قبل الزواج، وذلك يجعلها تلجأ إلى التجسس للتحقق من عدم رجوعه إلى سوابقه". ويؤكد أن تفتيش الزوجة في جوال زوجها أمر طبيعي، ولا يعتبر من قبيل التجسس، خاصة إذا كانت لا تفتشه من غير علمه. وينصح المحيا الأزواج بأن يطلعوا زوجاتهم على كل أمورهم، ومصارحتهن بكل ما يدور حولهم، وإشراكهن في جميع أمور حياتهم؛ حتى لا يتركوا مجالا للشك، ويزرعوا الثقة، التي هي الداعم الأساس للحياة الزوجية.