ألف وأربعمائة سنة كانت كفيلة بإبعاد بعض المسلمين عن الهدي المحمدي والسنن النبوية والتأسي بخير الخلق ، و كل سنة تمر يوغل البعد ويزداد ، اليوم يجاهر بعض علماء المسلمين و مصادر العلم الشرعي في مجتمعاتهم و يفاخرون بهذا البعد ، اليوم نجد أن بعضهم يلهث خلف الشهرة ويلتمس أسبابها و يبحث عن بقع الضوء ليتربع تحتها ويرتحل أينما ترحل الضوء ، اليوم صار بعضهم بدلاً من أن يتواضع و يجنح للسلم يتكبر ويتجبر ويجتهد لافتعال أزمة تتناقلها وسائل الإعلام ، بدل أن يجتهد في أن تتناقل تلك الوسائل قصة عن تواضعه و تقديره لمبدأ المساواة والحقوق و العدالة ، و بدل أن يقبل بها و يتحيز لها يجاهر في التصريح بالاعتراض عليها واتهام من وراءها ، اليوم يطالب بعض علماء المسلمين علناً بأن يعامل هو وصحبه معاملة النخب ولو كلف ذلك نزع حق من أصحابه ، ثم يصعد الأمور ويحدث جلبة وفوضى ويعقبها بتصريحات واتهامات ، ما يجعل المتابع يتساءل متعجباً : أين قيم الدين وأخلاق النبوة ؟ أين تواضع العلماء ؟ بل أين تواضع النبي صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء ؟ و أين مسؤولية العلماء عن تأصيل القدوة الصالحة للناس في نموذج العالم المسلم ؟! أين هؤلاء من محمد صلى الله عليه وسلم وتواضعه ؟! أين هم من حديث أبي رافع رضي الله عنه: " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غدا إلى بني قريظة على حمار عري يقال له : يعفور " و حديث أنس رضي الله عنه: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركب الحمار ، ويجيب دعوة العبد ، وكان يوم بني قريظة على حمار مغطوم بحبل من ليف عليه إكاف . قال : وكان يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب " و حديث أبي هريرة رضي الله عنه حين قال دخلت السوق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فاشترى سراويل ، وقال للوزان : زن ، وأرجح ، وذكر القصة قال : فوثب إلى يد النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبلها ، فجذب يده ، وقال : .... إنما أنا رجل منكم . ثم أخذ السراويل ، فذهبت لأحمله ، فقال : صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله ، و أين هم من حديث أم المؤمنين عائشة والحسن وأبي سعيد ، وغيرهم في صفته : وكان في بيته في مهنة أهله يفلي ثوبه ، ويحلب شاته ، ويرقع ثوبه ، ويخصف نعله ، ويخدم نفسه ، ويقم البيت ، ويعقل البعير ، ويعلف ناضحه ، ويأكل مع الخادم ، ويعجن معها ، ويحمل بضاعته من السوق " وأين هم من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما في حجة النبي، أن النبي صلى الله عليه وسلَّم أتى السقاية أي أتى أناساً يعملون في السقاية، سقاية الحجاج فقال: "أنا عطش اسقوني" فقالوا: "إن هذا يخوضه الناس، ولكن نأتيك به في البيت"، قال: "لا حاجة لي فيه اسقوني مما يشرب منه المسلمون". هذا نبي الأمة وخاتم المرسلين صلى الله عليه و سلم يركب الحمار و يردف خلفه من عامة الناس ، بينما لا يقبل بعض علماء الأمة إلا بدرجة رجال الأعمال !