محمد بن عبدالله المشوح - عكاظ السعودية أجزم أن المحامي ذاته يدرك أن الوصول إلى العميل مهمة ليست سهلة في إيصال القناعة اللازمة له في الترافع أو الوكالة عنه وهو بذلك يصل إلى فن مهم يجب على المتدربين والمنخرطين فيه أن يتعلموا من أرباب الخبرة وسدنة المهنة والكفاءات فيها. والوصول إلى العميل ذاته لا يقل عنه أهمية كيفية الولوج إلى أعماقه للبوح بأسراره والكشف عن حقائق قضيته ومشكلته بل حتى ما لم يستطع البوح به لأحد أو لا يرغب في ذلك على المحامي أن يمتلك القدرة اللازمة والذكاء المتوقد وحسن السياق كي يمنح الأمان النفسي اللازم والذهني والحقوقي لموكله. ليس سرا أن العلاقة بين المحامي وموكله تبدأ بداية عسلية جميلة حسنى لكنها أحيانا كثيرة سرعان ما تتبدل وتتغير لأسباب كثيرة يعزى بعضها إلى المحامي ذاته والأخرى إلى ذات العميل. أما الأسباب التي أحيانا تقود إلى نشوء الخلاف والشقاق بين الطرفين ويكون سببها المحامي فمنها :- أولا :- تقصير المحامي جراء التساهل في حضور الجلسات وعدم الالتزام بالمواعيد المقررة قضاء أو التقصير في تقديم الدفوع والمذكرات ونحو ذلك. وهذا بلا شك تقصير خطير إذا ظهر من المحامي القصد في ذلك بل حتى التساهل فيه ينبغي أن يحاسب عليه خصوصا أن بعض التقصير يترتب عليه فوات الحق أو فوات أوانه. بل التقصير في ذلك والإهمال هو عين الخطأ الذي يتنافى مع مبادئ المهنة وأصولها. وهو ما أكدت عليه المادة الثالثة عشرة من نظام المحاماة بما نصه «للمحامي أن يسلك الطريق التي يراها حجة في الدفاع عن موكله». وهناك صور عديدة لحالات تقصير المحامي بحق موكله ومنها :- يعد المحامي مقصرا إذا لم يقم بإجراء تبليغ مذكرات استدعاء الحضور للخصم أو محاميه وإذا لم يقم بإيداع الوثائق والمستندات اللازمة لدعم موقف موكله في الدعوى والخصومة وإذا لم يقدم المذكرات في ميعادها . كما يعد المحامي مقصرا في التزامه بواجب الحرص على مصالح الموكل في حال عدم قيامه بالإجراءات القانونية المطلوبة منه في وقتها المناسب، أو عند عدم تنبيه الموكل إلى المهل القانونية الواجب مراعاتها لممارسة حقه في رفع الدعوى، فإذا لم يحترم المدة المقررة نظاما، كأجل لازم لرفع الدعوى أو السير فيها، في بعض القضايا، أو موعد محدد، فإنه يعد مخلا ومقصرا تجاه الموكل. وكذلك يعتبر مقصرا عند غيابه عن جلسة المرافعة المحددة، مما يترتب عليه شطب الدعوى، أو تقاعسه عن اتخاذ إجراءات تجديد الدعوى من الشطب. وكذلك فيما لو أهمل المحامي تقديم الطعون والتظلمات في الأحكام القضائية القابلة للطعن والتظلم في المواعيد والمهل المحددة نظاما لها، نظرا لما قد يترتب عن ذلك من تفويت على الموكل فرصة تعديل الحكم الصادر ضده، وقد جاء ذلك صريحا في قانون المحاماة السوداني تحت عنوان : الأسباب الموجبة للتأديب، حيث جاء فيه : «يعتبر المحامي مخلا بواجباته إذا وصلت إلى اللجنة ثلاث شكاوى من ثلاث محاكم مختلفة توضح أنه قد تسبب عمدا أو بإهماله في تعطيل نظر الإجراءات أمامها». ولكن هل يعتبر إخلالا بواجب الحرص إذا كان المحامي قد أهمل تقديم الحجج والدفوع التي من شأنها أن تدعم وتقوي مركز الموكل في الدعوى ؟، وهنا فإنه وفقا لما جرى عليه العمل في القضاء الفرنسي مثلا، يعتبر المحامي مقصرا إذا لم يقم بتقديم الدفوع والحجج التي من شأنها أن تدعم مركز الموكل في مواجهة خصمه أمام القضاء وذلك إذا توفر الشرطان التاليان : 1 أن تكون البراهين والحجج جوهرية وحاسمة وذات أهمية خاصة في حسم الدعوى، بحيث يترتب على عدم تقديمها أمام المحاكم إضرار بمركز الموكِل في مواجهة خصمه. 2 أن يكون النسيان أو الإهمال في تقديم هذه الحجج قائما على سوء نية وتعمد. وللحديث بقية.. المحامي وموكله «2» محمد بن عبدالله المشوح أشرت في مقال الأسبوع ما قبل الماضي إلى السبب الأول في نشوء الخلاف بين المحامي وموكله وسوف أبين في هذه المقالة بقية الأسباب ومنها. ثانيا : عدم فهم القضية والقصور في استيعاب المهمة المناطة وهذا بلا شك يقع من بعض المحامين المبتدئين خصوصا فتجدهم يسارعون إلى القبول بأي دعوى من غير تمحص أو يقين بالحق المدعى به بل حتى عدم فهم صحيح للدعوى مما يترتب عليه الترافع الخاطئ والحكم على الشيء فرع عن تصوره وعلى المحامي أن يجلس مليا مع العميل المتقدم ويطلع على تفاصيل المشكلة والدعوى بحذافيرها حتى يستطيع تحديد قراره في قبول الدعوى أوردها. بل إن بعض المحامين المهرة يدركون أهمية إعطائهم فرصة مناسبة لدراسة الدعوى ومن ثم اتخاذ القرار المناسب أو في قبولها أو الاعتذار من العميل وكثيرا ما يواجه المحامي زميلا له والآخر لم يفهم الدعوى فتقع مشكلة سببها المحامي الذي لم يحسن الفهم ومن ثم تحرير الدعوى أو الدفاع عنها. ثالثا : عدم تقديم المحامي لعميله تفصيلاً كاملاً بجلسات الدعوى وضوابطها وتقاريرها حتى يكون العميل والموكل على علم تام باتجاهات القضية ومتطلباتها بل وسيرها ونظر القاضي نحوها. وهنا يتعين على المحامي تدوين الضبط للقضية ورفعة مباشرة إلى موكله. وهذا تم تجاوزه في ظل ما سمح به النظام من أحقية طرفي الدعوى بتسليمهم نسخة من ضبط القضية لذا يتعين على المحامي أن يسارع إلى أخذ صورة نسخته من الضبط المشار إليه وبعثه إلى موكله وكتابة ما لديه من ملحوظات والتأكيد على ما ورد من طلبات. وهنا أهمس في آذان أصحاب الفضيلة القضاة الذين قد يتلكؤون أو يترددون أو حتى يمانعون في تسليم الضبوط للمحامي أو أطراف القضية. وهذا في نظري يخالف مقتضى العلنية وكذلك الشفافية. بل إنه عون للقاضي حيث أن تسليم الأطراف صورة من الضبط يرفع الحرج الذي كان دائما ما يتهم به القاضي من قبل الأطراف. وذلك بعدم فهمهم أو عدم معرفتهم بالطلبات وحيثياتها الواردة في الجلسة. وتسليم الأطراف صورة منها ويقيم الحجة على الجميع كما أن تسليم الضبوط من قبل أصحاب الفضيلة القضاة يقطع الطريق أمام ضعاف النفوس من الموظفين الصغار الذين يحاولون اختراق سور القضاء عبر تسريب تلك الضبوط بمبالغ ورشاوى انكشف بعضها. وهذا الإجراء السليم فيه من المصالح لناظر القضية وأطرافها الشيء الكثير. كما أنها تتوافق تماما مع مبادئ النظام الوارد. أما إنهاء العلاقة بين المحامي وموكله فقد أكد النظام على عدم جواز تخلي وترك المحامي للقضية وموكله قبل انتهائها حيث نصت المادة (33) من نظام المحاماة على «لا يجوز للمحامي بدون سبب شرعي أن يتخلى عما وكل عليه قبل انتهاء الدعوى». انتهى.. أما الأسباب التي ترجع إلى الموكل وتؤدي إلى انتهاء العلاقة أو توترها فسوف نرجئ الحديث عنها في حلقة قادمة.