قبل مئة عام قال المفكر السوري وأحد رواد النهضة العربية (عبدالرحمن الكواكبي) (فناء دولة الاستبداد لا يصيب المستبدين وحدهم، بل يشمل الدمار الأرض والناس والديار، لأن دولة الاستبداد في مرحلها الأخيرة تضرب ضرب عشواء كثور هائج أو مثل فيل في مصنع فخار، وتحطم نفسها وبلدها وأهلها قبل أن تستسلم للزوال وكأنما يستحق على الناس أن يدفعوا في النهاية ثمن سكوتهم الطويل على الظلم وقبولهم القهر والذل والاستعباد، وعدم تأملهم في معنى الآية الكريمة (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب). وكأن الكواكبي يصف المشهد السوري اليوم، وكأن المصائب الحالكة هي قدر أزلي لتلك المنطقة وأهلها، تجاوز عدد شهداء سوريا الآن العشرين ألفا، ناهينا عن الإعاقات الجسدية والنفسية والتشتت والتهجير ودمار البنية التحتية في سوريا التي هي من أساسها مهلهلة.. كل هذا من أجل أن يبقى طاغية سوريا فوق عرشه يحفه عدد من المتنفعين، لم يكن سقف مطالب الشعب السوري مرتفعا.. كان فقط يطلب الحقوق المبدئية للعيش الكريم.. يطمح إلى استثمار مقدرات سوريا في تنمية كبرى تطال البنية التحتية والإنسان السوري، كان يطالب بمستشفى لائق إذا مرض، وبنظام تعليمي يستثمر في مواهب الشعب، مع دولة مدنية لا عسكرية تقدر قيم الحرية والعدالة وتوزيع الثروة ضمن قنوات الشفافية والمحاسبية.. لم يكن يطلب الشعب الكثير، كان فقط يطالب بالحقوق الأولية التي تنالها شعوب الأرض دون نقاش.. لكن الأثمان التي يدفعها الآن هي باهظة جدا. ففي تلك اللحظة التي وقف فيها وزير الخارجية السوري فوق منبر الأممالمتحدة أثناء اجتماع جمعيتها العمومية، كانت طائرات النظام السوري تدك المدن السورية وبالتحديد (حلب) بآخر اختراعات التوحش والبربرية التي توصل لها النظام وهي عبارة عن براميل ملغمة تلقى من شاهق الطائرات على المناطق السكنية المكتظة كي تحدث دمارا كبيرا بين صفوف المدنيين. يقف وزير خارجية النظام السوري مثرثرا فوق منبر تحاول الشعوب فيه أن تقترب من لغة الإنسانية والسلام والتعايش، بينما شدقيه الضخمين يقطران بدماء الشعب السوري، مصرا على مؤامرة عالمية عظمى تترصد بسوريا!! الذي استمع إلى الخطاب يجد أن النظام في سوريا لم يتزحزح ولو شبرا عن مواقفه السابقة، لم يستطع أن يفكر خارج الخوذة الحجرية التي تطوق مستوى الرؤية لديه، فمازالت توظف مفردات (الصمود والمقاومة) وهي المفردة التي كان النظام يستمد منها شرعيته، ومازال النقاش حول بشار الأسد ومغادرته الحكم هو خط أحمر وشأن داخلي ورغم أن الرئيس فقد شرعيته مع أول رصاصة انطلقت إلى صدر متظاهر سلمي في درعا، فكيف من دك مدنا سورية بكاملها بجميع ما تحويه مستودعات الأسلحة الروسية من خردوات الحرب الباردة. وليس فقط الأسلحة بل حتى خطاب المعلم ما برح متشبثا بأطروحات الحرب الباردة والمعسكر الشرقي والغربي وقد حيا في نهاية خطابه كوبا وفنزويلا وكوريا الجنوبية، وجميع الدول ذات الولاءات القديمة مع المعسكر الشرقي، بشكل مسرحي يدل على مقدار أزمة الوعي الكبرى التي مازال يعيشها النظام في سوريا. وكما قال الكواكبي: دولة الاستبداد مصيرها للفناء والزوال.. فهي لا تدوم.