على مائدة الخليفة هارون الرشيد قعد وجوه دولته، وفيهم بعض العلماء، منهم الإمام الحافظ أبي معاوية الضرير، فلما فرغوا من طعامهم قام أبو معاوية يغسل يده، ففوجئ بأحدهم يسكب الماء له، فسأله من أنت يرحمك الله ؟ قال: هارون الرشيد! فعجب أبو معاوية الذي لم ينس قط أنه كان مولى لبني سعد بن تميم، وأن من وقف لخدمته ليس إلا أكبر ملوك الدنيا، فقال كلمته المأثورة:»إنما أكرمت العلم يا أمير المؤمنين»! تذكرت هذه القصة وأنا أقرأ تصريحات بعض المثقفين المزايدين على استحقاق المجلس المنتخب لنادي المنطقة الشرقية الأدبي، وردود أفعالهم الغاضبة في الصحف، حتى بعد أن قال القضاء كلمته الفصل لصالح المنتخبين، ومن ثم تأييد الحكم من الاستئناف، الذي أصبح بموجبه نهائياً واجب النفاذ، الشغب الثقافي ومناكفة المثقفين لبعضهم البعض سمة الكثير من المشاهد الثقافية خاصة مشهدنا الثقافي العربي، من أيام العقاد والرافعي وطه حسين وحتى يومنا هذا، ومشهدنا المحلي ليس استثناء، لكن موال التذمر الذي يثار في هذه الصحيفة وتلك لم يعد يستهدف الخصوم الثقافيين لمن أخذ على نفسه مناوءتهم والشغب عليهم بقدر ماصار يستهدف هيبة القضاء ونزاهته، وكأن ثمة مايريب ويدعو للتذمر، ومثلما قال أبو معاوية الضرير لهارون الرشيد:»إنما أكرمت العلم يا أمير المؤمنين»حيث العلم الباعث على الإكرام فكذلك الحال مع أولئك المزايدين واعتراضهم هل هو على خصومهم الثقافيين أم على أحكام القضاء ؟! اختلاف المثقفين ومناكفتهم ومشاكستهم لبعضهم البعض هي ملح الحياة الثقافية حين تكون في إطار الفعل ورد الفعل الثقافي، أما حين تتعداه للطعن في القضاء ونزاهته ولو بأسلوب غير مباشر، فهذا ليس من عمل الثقافة في شيء ! لم أنس ليلة إعلان النتائج كيف ابتدرنا الكثير من المزايدين بالتهنئة وملء وجوههم ابتسامات التهاني، ولكن سرعان ماكشروا عن أنيابهم بعد إلغاء الانتخابات وباتوا يخوضون في الكلام المفترى، كلما واتتهم الفرصة للتصريح لهذه الصحيفة أو تلك، ترى ما الذي يبقى للمثقف إذا تخلى عن قيمه وصار يغير أقنعته بحسب معايير الربح والخسارة ومستجدات المصالح المتغيرة ؟! من عجائب هذه الانتخابات أن من يزايدون الآن على أحكام القضاء قبلوا بنتيجة الانتخابات، وحينما دعوا ضمن العشرة الفائزين بعضوية المجلس للاقتراع على منصب الرئيس ونائبه والمسؤول الإداري والمالي لم يتأخر منهم أحد، فلما أخفقوا في الوصول لما كانوا يأملون الوصول إليه غضبوا وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها . اختلاف المثقفين ومناكفتهم ومشاكستهم لبعضهم البعض هي ملح الحياة الثقافية حين تكون في إطار الفعل ورد الفعل الثقافي، أما حين تتعداه للطعن في القضاء ونزاهته ولو بأسلوب غير مباشر، فهذا ليس من عمل الثقافة في شيء وإن استطلعت آراء المشككين في صفحات ثقافية !