مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    الأمن.. ظلال وارفة    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    ضيوف برنامج خادم الحرمين يؤدون العمرة    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    «إسرائيل» ترتكب «إبادة جماعية» في غزة    التحليق في أجواء مناطق الصراعات.. مخاوف لا تنتهي    من «خط البلدة» إلى «المترو»    أهلا بالعالم    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    كرة القدم قبل القبيلة؟!    قائمة أغلى عشرة لاعبين في «خليجي زين 25» تخلو من لاعبي «الأخضر»    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    ضبط شخص افتعل الفوضى بإحدى الفعاليات وصدم بوابة الدخول بمركبته    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    رفاهية الاختيار    النائب العام يستقبل نظيره التركي    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    استثمار و(استحمار) !    وسومها في خشومها    وانقلب السحر على الساحر!    منتخبنا كان عظيماً !    الضحكة الساخرة.. أحشفاً وسوء كيلة !    الأخضر يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة العراق في خليجي 26    نيابة عن "الفيصل".. "بن جلوي" يلتقي برؤساء الاتحادات الرياضية المنتخبين    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    إحباط تهريب (140) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    آل الشيخ: المملكة تؤكد الريادة بتقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن حكومة وشعبا    موارد وتنمية جازان تحتفي بالموظفين والموظفات المتميزين لعام 2024م    "التطوع البلدي بالطائف" تحقق 403 مبادرة وعائدًا اقتصاديًا بلغ أكثر من 3مليون ريال    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    مسابقة المهارات    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القوة الصامتة في القطيف ... إلى أين؟!
نشر في أنباؤكم يوم 24 - 08 - 2012

بعد البيان العلمائي السباعي الأخير، الذي أشعل شمعة للتفاؤل، بينما واجهه البعض هداهم الله بالتشاؤم والقدح، أكاد أجزم بسبب تراكم القرائن حولي في نقاشات مختلفة ومن متابعاتي المتفرقة لمجريات الساحة، بارتفاع مؤشرات العقلانية المطلبية في المنطقة القطيفية، في اتجاهات صاعدة، تعبر في الغالب عن واقعٍ فكري إيجابي مكتوم، لا شك أن البعض، بل ربما الكثيرين غيري، قد لامسوه أيضاً خلال حواراتهم الفكرية البينية مع الآخرين من أبناء المنطقة، وذلك لا يعني طبعاً إلغاء الآخر أو نهاية مواقفه السابقة، وكل ذلك طبعاً بخصوص الموقف من تلك الأزمة الأخيرة في الواقع القطيفي المر، حيث يتجمع حالياً ما ينبئ عن أن المراهنة على الوعي أو على تفضيل الخيارات الواقعية في الفترة الأخيرة، باتت مراهنة واقعية واعية، هي أقرب للصواب ولجني الأرباح منها للخطأ والخسارة في ذلك الرهان الصعب، الذي كانت تقلقه كثيراً أصوات مخالفة منفعلة مرتفعة كثيراً ... في وقتٍ قد مضى ربما إلى غير رجعة ... وأظن أن هذا ما يؤكده صدور هذا البيان في هذه الفترة بعد فترة من الصمت.
لقد تغيرت آراء وقناعات الكثيرين من أبناء المنطقة كما يبدو، ممن أخذهم الحماس بعيداً في بدايات موج مد الربيع العربي، الذي شحن الجماهير بكثير من المشاعر المفرطة، ونسج للناس لوحة تقبع فيها دولة طوبى، فكان المخالف حينها أشبه بصفرٍ على الشمال، أو أي شيءٍ من هذا القبيل. وكما يبدو مؤخراً على السطح، فقد ظهرت لنا أصوات مختلفة ضمن شرائح ثقافية وعمرية وأيديولوجية متنوعة، تدرك الواقع المحلي والبشري وضروراته بعمق أكبر، أو تتجه باتجاه ذلك، وذلك طبعاً بعد خوض غمار تلك التجربة البشرية المرة، التي تعد بالإصلاح بطرق مندفعة نوعاً ما، حيث يراد للأزمة هنا، وإن لم يشعر البعض بذلك، أن تكبر يوماً بعد يوم، لتكسر واقعنا، ثم تعيد ترتيبه من جديد، إن استطاعت طبعاً تجميع أجزائه المتفرقة والمحطمة بعد ذلك، وهي تجربة مررنا بها وعشنا فيها ضمن حقل البارود ورهانات مستحيلة كادت أن تحرق كل المنطقة وما زرعه أبناء القطيف وغيرهم في المراحل السابقة بتأنٍ وفي تؤدة في فترة السلم والأمن والأمان النسبي السابق، الذي يزعج البعض الاعتراف به، والذي لم يعجب البعض بسبب مثاليات مفرطة عاطفية، آن لها أن تخفف من حدتها، وأن تعرف الواقع.
إن مما لا شك فيه بالتأكيد، أن المطالبة بالعدل والإصلاح، مطالبة وطنية مشروعة لا يمكن الجدال فيها ولا الاعتراض عليها. ولا شك أن المسؤولين في هذا البلد، يدركون أن الفساد والظلم خطر يتهدد أمننا الوطني وسلمنا الاجتماعي. لكنهم أيضاً، يدركون أن دوائر المصالح وتناقضاتها واسعة جداً ومتداخلة ومعقدة، ما يعني استحالة الحق إلى نقيضه عندما يكون إحقاق الحق بطريقة مثالية مؤدياً للباطل، وهذا ما يجب أن ندركه ونحذره، حيث أن الأحلام المثالية لا تعالج الواقع، والنوايا الطيبة والخيرة لا تسوغ ولا تبرر ولا تقلل من خطر تجاوز حدود الوطن الأمنية، للإصلاح بما لن يؤدي في واقعه التجريبي، ومؤداه ونتيجته الحقيقية الواقعية، إلا إلى الإفساد، وتهديد أمن الوطن وأمانه، الذي هو أمن المواطنين وأمانهم ورفاههم واطمئنانهم، وذلك عندما يستفحل الأمر وتتفاقم المشكلة.
إنها لعبة واقعية كبيرة، لها قواعد وقوانين من نسيج الواقع، لا يمكن تجاوزها ولا استبدالها. فلا بد من الانصياع لشروطها بالاعتراف بأن الإصلاح لعبة الواعين والأذكياء وحدهم فقط، الذين يدركون الواقع، ويمكنهم الدخول فيها بفهم وعلم حين يتم تعلم شروطها وضوابطها الأرضية، النابعة مما جعله الله وأقره ضمن السنن والقوانين الأرضية، لا الحالة الصوفية أو الرومانسية أو الأسطورية. فهي هنا، ليست لعبة حماسية، يجوز دخولها بالانفعال والحماس والحقوق والشعارات وحدها فقط، دون التسلح بالمنطق والفهم والعلم والتخطيط والواقعية.
ومن الحق أن نقول، إن شعب القطيف بلا شك شعبٌ طيب، ونواياهم نوايا خيرة. حيث لا مجال هنا، للطعن في النوايا في الأعم الأغلب. والواجب هنا، هو الرد على كل مفتنٍ ممن يتصيد عليهم الزلة، أو يبحث لهم عن العثرة، ساعياً لزجهم وتوريطهم في الفتن، أو مبتغياً الانقضاض عليهم، أو تجييش الآخر ضدهم، ضمن لعب طائفي غير نظيف بتاتاً. لكن أيضاً، فأساليب القوم (أي أهل القطيف) في النهاية بالتأكيد ليست واحدة، فهي اجتهادات بشرية متنوعة ... تتوزع في مناطق مختلفة بين الصواب والخطأ والواقعية والمثالية والأحلام واليقظة والاعتدال والتطرف ... وهكذا. والنسيج الاجتماعي دائماً فيه الخير والشر والنضج والوعي وخلاف ذلك ... الخ.
لذا، فنحن هنا لسنا معصومين دائماً بلا شك، ومن الخطأ أن ندعي ذلك أو أن نوهم أنفسنا بما ليس في الواقع، ومن الجيد بل من الواجب، أن نعمد وأن يعمد خصوصاً من يتشبث بعصمته منا، بين الفينة والفينة، للمراجعات الفكرية والسلوكية الجادة ... ولتصحيح المسارات.
لقد أرسل البيان العلمائي الأخير، المعروف بلا شك عند القارئ القطيفي العزيز، رسائل متنوعة. اتجه بعضها للداخل الشيعي، بينما حمل بعضها الآخر رسائل أخرى في اتجاهات أخرى خارج هذه الدائرة. فمن جهة، استوجب على طرفٍ، تفهم واهتمام المسؤول والشريك الوطني المخالف والمغاير أياً كان، حين مد يد التعاون والشراكة الوطنية، منتظراً خطوات إيجابية في نفس الاتجاه من الأطراف الأخرى. وفي الوقت نفسه، وجه رسالة قوية شجاعة وواضحة، للداخل الشيعي، استفزت للأسف البعض، ممن يضيقون ذرعاً بالرأي المخالف، وممن لا يريدون أن يروا، أي تغاير للألوان في نسيجهم المحلي، في احتكار منهم حقيقي وواقعي غريب للواقع وللنسيج المجتمعي، كأنما يريدون أن يقال لهم المثل المحلي (ما في هالبلد إلا هالولد). فكانت الرسالة هنا أن الأمن والأمان الوطني ودماء الناس خط أحمر لا يجوز ولا يصح التفريط فيه أو التضحية به، على خطوط المواجهات والصراعات الوطنية الحالية، لأجل حفنة مطالب إصلاح وطني لا تستدعي تلك الحدية في الاختلاف، التي قد تولد مع نموها، الكثير من أشكال التناحر الوطني المقيت والمنبوذ والصراع الدامي لا سمح الله، ونحن هنا أبناء وطن آمن نسبياً، وبلد فيه الكثير من الخيرات، التي تحمي الناس من ويلات الحاجة، وتجعلهم غالباً أقرب للرفاه، وهذا ما يؤكده واقع معظم أبناء اليوم في هذا المجتمع، رغم الأزمة المالية التي تعصف بالعالم، ورغم وجود بعض فئات المجتمع ممن تعيش الفقر والمعاناة. ولا شك أن الزمن حالياً يسير باتجاه الأفضل ويعد بالإصلاح.
وأياً تكن الرسائل التي نفهمها، أو يفهمها غيرنا في تغايرها، فهي في المحصلة النهائية رسائل سياسية وطنية واعية وناضجة تصب في اتجاهات حفظ الوطن والمواطن والأمن والأمان وفق رؤية أصحابها أقلاً، انطلقت من رموز كبيرة مرموقة ومحترمة لها خبراتها وتجاربها، وهي إن أحسنا الظن، تصب بلا شك في اتجاه تهيئة الأرضية المضطربة، لبناء مشروع الشراكة الوطنية والإصلاح الوطني وتعايش المذاهب والحوار الإنساني والديني والتنمية البشرية التي تستفيد من أجواء الأمن والاستقرار الضروري لذلك كله. ويمكنك هنا، أن تختلف معها، لكن ليس من حقك أبداً اتهام وإسقاط وتشويه سمعة كل من يتبناها أو من آمن بها أو وقع عليها، كما يفعل البعض. فأين حينها إذاً، كل تلك الشعارات والحرية والعدالة والديمقراطية والنزاهة والمثالية، التي تدعيها أو تدعو إليها؟!!!.
وأنا هنا، أراها فرصة مناسبة لأبنائنا وإخواننا الأحبة، للخروج من المثاليات التي ظلت ولازالت تربك الساحة وفهمنا للسياسة، وفرصة للاعتراف بأن الشعارات لا تسمن ولا تغني من جوع. إنها فرصة مناسبة للخروج من حراك مطلبي منفعل، له بعض أخطائه الخطيرة والحساسة بلا شك، لحراك مطلبي واعي وناضج، يفهم الساحة، وقواعد لعبتنا الوطنية والسياسية جيداً. فلا يتهدد أمننا الوطني، ولا يحاول من باب البحث عن الفرصة والنصر فرض العضلات، بزج الألوف في معركة شرسة، وإن كانت عناوينها في بداياتها سلمية، لكنها بالطبع وبحسبة منطقية ورياضية بسيطة ستخرج حتماً في النهاية، عن كونها مجرد مطالبات بالإصلاح هادئة وسلمية ومعقولة، لحالات من الانفلات الأمني وتصادم مختلف قوى الوطن السياسية والطائفية والمناطقية والأمنية والاقتصادية، في معمعة لن يستفيد منها أحد، ولن يتوقع مساوئها وويلاتها أحد، فاللعب خارج الأزمات الأمنية، ليس كالتورط داخلها، حيث الكل هناك غالباً يبحث حينها لنفسه عن ملجأ ومأمن ... مهما كلفه الأمر.
إنني أتوقع، أن المسؤولين في بلدنا الحبيب لديهم من النضج السياسي وسعة الصدر، ما يؤهلهم في النهاية، لقبول دخول شركاء الوطن الشيعة كلاعب سياسي يؤمن بلعبة تدافع القوى ضمن شروطها الصحية، وشريك وطني واعي وذكي غير مؤدلج بأيديولوجيا دينية أو طائفية، تمنعه من رؤية الواقع والحقائق كما هي، أو تعيقه وتمنعه عن تقديم المصلحة الوطنية على ما سواها من ضرورات أو اعتبارات، تُحترم له في النهاية مطالبه الوطنية واهتماماته المناطقية والإنسانية العادلة، التي لا تتهدد أمن الوطن، ولا تتجاوز الخطوط الحمراء التي تدفع باتجاه انفلات الأمن. وكل بلاد الدنيا في النهاية، فيها ظلم وأخطاء وتحتاج معالجات وطنية جادة تستهدف الإصلاح، حتى أفضل تلك الدول الديمقراطية العاقلة المعاصرة، التي تأخذ صور مثالية في عقلياتنا ومخيلاتنا، والعاقل هنا هو من يصلح بلده ويطالب بالإصلاح بعيداً عن الانفعال، وعن المساس بالأمن والاستقرار الوطني والتضحية به في رهانات مدمرة، تحيل الحاضر إلى رماد، فقد ولى في الحقيقة زمان الفقر المعرفي والفقر التنظيمي والفوضى المجتمعية وبيئة تلك الحروب البدائية الهمجية السابقة، التي تقودها عصابات شعبية متمردة، خرجت من رحم زمن الوحوش والبرابرة، والتنازع الشرس على الموارد، والتي لازالت معشعشة في مخيلة بعض الشعوب. فحروب المصالح العنيفة الوحشية في هذا الزمان ليست سوى استثناءات، أو حالات قليلة حرجة تقودها قوة بعض دول الهيمنة المتغطرسة، التي تجد مساحات واسعة للاستفراد بالساحة وتسيدها. وإن من العيب أن تنجر الشعوب المتحضرة الهانئة الناشدة للديمقراطية والقيم، وأبناء الوطن المسلم العزيز والهادئ كالمملكة الحبيبة، لذلك اللون من العنف والانفعال والتخبط المدمر، والمزلق البربري الخطر.
وهنا، فلنسأل أنفسنا بجد، ما هي تلك المشاكل التي نواجهها أو كنا نواجهها فوق أرض الواقع، وما حجم الظلم الذي كنا نشتكي منه خصوصاً قبل هذه الأزمة. فهل يستحق ذلك: خسارة تلك الدماء الطاهرة والبريئة، وتيتيم الأطفال، وترمل النساء، وثكل الأمهات، وتخريب بيوت أسر لسنوات، أو غرس حزن ليس له في الغالب نهاية؟!!!.
إنني واثق هنا، أن الكل سيلقي بالتهمة على الطرف الآخر، ويحمله مسؤولية إراقة الدماء، ويمكن هنا الدخول في دوامة المثاليات والشعارات والقيم المجردة غير الواقعية، الخاضعة للتفكير المغرق في الفوضى والشعارات والأحلام الناعسة، التي لا يمكن الخروج منها إلا بالمزيد من الفوضى والتناحر، لأن عقولنا الشعبية، بل حتى معظم تلك العقول التي تعيش فوق القمة المجتمعية، ليست سياسية، ولا تستوعب بعد اللعب بأوراق السياسة، ولا تفهم التدافع السياسي، ولا إدارة الصراع من خلال فهم دوائر المصالح، وعقد التحالفات والشراكات الوطنية، بدل رفع الشعارات وتوريط بعض المفاهيم الدينية بطرق يساء فهمها غالباً ثم تجري محاولات فرضها على الآخر المختلف والمخالف، وكأن لوناً واحداً منا فقط يهيمن ويريد أن يتسيد بفكره وعقله واجتهاداته الساحة، رغم ما في المجتمع من غنى وتنوع في الأفكار والتوجهات والآراء والمنطلقات.
إن حل مشاكل الفقر والفقراء والبطالة الموجودة في مناطقنا، وهي من أهم الأسباب المعروفة لتفجر الأزمات في أنحاء مختلفة من هذا العالم، والتي تتخذ كجزء من شماعات الحركة المندفعة في المنطقة، لو أنصفنا فلن تكلفنا الكثير، سوى صدق أبناء المنطقة أنفسهم مع أنفسهم، فالتقصير الذي يوجه الاتهام فيه لهذا الطرف الوطني أو ذاك خارج الدائرة القطيفية، وينال أجهزة الدولة الجزء الأكبر منه، دون الدفاع هنا عن أحد، يمكن حله داخلياً بأموال أبناء القطيف أنفسهم، في مقابل فوضى الدم، إن كان الكثير منا الرافعين لشعارات التضحيات، صادقين في نواياهم هنا وحرصهم على أبناء المنطقة عملياً، عندما تتعلق القضية بالحسابات المالية والمادية والمصلحية، وتقاسم الثروات ومشاركتها، وذلك بالتضحية ببعض تلك الثروات الموجودة لدى أبناء المنطقة أنفسهم، المستخدمة في أحيان كثيرة، في ترف البعض ومتعه الجانبية، والتسلية وصناعة الوجاهة و (الفشخرة بغير سنع ... أحياناً) - وللناس حقهم طبعاً -، كل ذلك بدل الزج بالفقراء ودمائهم واستغلالهم في معركة دامية ... لازلت في الحقيقة أتألم هنا وأتوجع بحرقة منها ومن تبعاتها على الأفراد والأسر التي تضررت منها كثيراً.
إن لدينا بلا شك، الكثير ممن يطالبون بالإصلاح في هذا البلد من مختلف الأطياف، وتتنوع قضايا الشكوى والمطالبة، وليس ذلك بخافٍ على أحد. وهناك عدة مسارات مطالبة معروفة مقبولة أو يتم غض الطرف عنها في المرحلة المعاصرة، يعرفها كل من يتابع القضايا الوطنية والحقوقية، وقد تحملتها الدولة ومسؤولوها وأجهزتها، بحسب الواقع حتى في بعض الجهات والأجهزة الحساسة في الدولة وأجهزتها، حتى نال أصحاب الحق حقوقهم، واستجيب لمطالبهم، وحققت أمنياتهم، ولازال البعض يقتدي بهم وبخطواتهم وإن كانت شاقة أحياناً ومتعبة. وعلينا هنا فقط، أن نفتح أعيننا وننظر ببعض الإيجابية لتلك التحسنات والتطورات الموجودة، التي تجري في البلد، والتي نتمنى أن تتسارع وأن تتطور للأفضل ... والمستقبل واعد كما أشرنا سابقاً وأسلفنا ... في مقالات قد مضت.
وعلى صعيد آخر، في سياق البيان العلمائي، الذي يخرج على الصمت، ويكسر حواجز الخوف، فإن مما يجب قوله هنا للصامتين منا، في ظل هذه الأزمة، من مفكري ومثقفي وعقلاء المنطقة صغارهم وكبارهم، هو: أن زمان الصمت قد ولى أو قد أعطى بوادر للأفول، وأن أي تغير إيجابي، وأي تصحيح في حراكنا نحو الأفضل، لا شك بحاجة لرفع صوت (تلك القوة الصامتة)، الرافضة لمس (خطوط التماس الأمنية) الحساسة، والتي تبصر بلا شك، أن أي لعب سياسي مجدي وواقعي ونافع، يجب أن يكون تحت تلك الخطوط، لا أن يسير بكرة الثلج لتكبر شيءً فشيءً، فتتهدد في النهاية، ولو بشكل غير مقصود وغير مدروس، أمن الوطن وأمانه، تحت مبررات، أن كرة الثلج صغيرة دائماً وناعمة، ولا تتهدد أبداً أمن الوطن، ولن تكبر، رغم أن البعض بالفعل يريد أن يدفعها لتكبر وتكبر، غير مدركٍ للحسابات الدقيقة لما يجري، ولما قد يجري في الساحة مستقبلاً بالفعل.
إن من واجب جميع القوى الصامتة في القطيف اليوم، أخلاقياً ومن باب المصلحة الخاصة والعامة - من وجهة نظري الشخصية -، أن تتكلم وترفع صوتها عالياً، لتصحيح المسار ولتنوير الجمهور ولتطوير الوعي ولبيان مفاهيم وأفكار اللعب السياسي الوطني الصحيح والجيد والفاعل والمنتج والمقبول. فقد بانت العيوب المخفية للانفعال والاندفاع ورفع الشعارات المثالية، واتضحت المثالب والأخطاء، واتضح وانكشف الإقصاء والإسقاط، الذي يمارسه البعض، تجاه كل معترض ومخالف أو مختلف، وما يمارس من فرض للإرادة وللاجتهادات والآراء، حتى في مقابل الكلمة الحرة المجردة من أي سلاح، سوى سلاح البوح والجهر، من قبل بعض المختلفين طبعاً لا الكل.
هذا هو الوقت المناسب للبوح والحديث، ولدعم كل الأصوات الشجاعة والعاقل، للخروج من الأزمة، بوعي مطلبي وطني جديد، يرتقي بنا وبأبناء المنطقة وأبناء الطائفة، وبأبناء الوطن، خصوصاً مع صدور هذا البيان العلمائي الأخير، من كبار الرموز والعلماء الأجلاء. إن المطلوب هنا اليوم، أن نبين للجمهور طبيعة الحراك السياسي الجيد وعيوب تصعيد الأزمات ... أو أقلاً أن نقول للآخرين من أبناء جلدتنا خصوصاً في هذه المرحلة ... "إننا مختلفون ... إذاً فلنختلف بحب" ... والسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.