تؤكد الهيئات الدينية الرسمية في المملكة دائماً أن اتباع السنة النبوية يقضي برفض الحساب وسيلة لإثبات دخول شهر رمضان وخروجه، وأن ترائي الهلال حق مشاع للمسلمين، وأن الترائي سهل على كل أحد. ويبين ذلك قول الشيخ صالح الفوزان (مجلة الدعوة، 22/8/1433ه): إن «عمل الحاسب عرضة للخطأ، لأنه عمل بشري، ولا يخلو من التعرض، وهو أيضاً إحراج وتضييق، لأن الحساب لا يعرفه كل أحد، ولا يتوفر المختصون فيه في كل زمان ومكان... وديننا مبني على اليسر والسهولة، لا تعقيد فيه. ولذلك أحال المسلمين في فطرهم وصيامهم على علامة واضحة يعرفها كل أحد وفي كل مكان وزمان، للحاضرة والبادية، للجماعات والأفراد، للمتعلمين والعوام». كما توجِّه المحكمة العليا، من هذا المنطلق، بياناتها لترائي الهلال، إلى «عموم المسلمين في المملكة»، لا إلى فئة محددة. لكن الممارسة الفعلية لترائي الهلال طوال الثلاثين سنة الماضية تقريباً لا تتوافق مع هذه المسلمات، مما يعني أنها تعطيل فعلي لتطبيق السنة النبوية على وجهها الصحيح. فقد احتكر أشخاص لا يزيدون على خمسة، على رأسهم «الرائي» عبدالله الخضيري، طوال هذه السنوات، الشهادة برؤية الهلال، وهم يستأثرون بتعديل المحكمة العليا التلقائي. ويخرج هذا على القول بحق المسلمين جميعاً في ترائي الهلال، وعلى توجيه المحكمة العليا بيانها ل»عموم المسلمين في المملكة». كما تخالف «رؤية» الخضيري خاصة القولَ بسهولة الترائي على كل مسلم، ورفضَ الحساب وسيلة لإدخال الشهر. فقد بيَّن في مقابلات كثيرة أن «رؤيته» للهلال لا تأتي بطرق طبيعية. وأوضح في محاضرته التي ألقاها في مدينة جلاجل ثاني أيام عيد الفطر الماضي أنه يتابع القمر لعدة ليال في عدد من الشهور، وفي شعبان ورمضان خاصة اللذين يَرصد القمر في أكثر لياليهما. وأن ما يقوم به من تراءٍ للهلال ليس عملية سهلة؛ فهو يتكلف مشاقَّ كبيرة فيها، ويقضي معظم الليالي في قمة جبلٍ بعيدٍ عن قريته لا يصل إليه بسهولة، ويستعين بمساعدين في رصده، ويحدد مسار القمر بعلامات محددة، ويكمن لرؤيته في مكان مخصص له شروط دقيقة. وأكد أنه لا يمكن لغير المدرَّب على معرفة منازل القمر رؤيةَ الهلال. ويحتاج الإنسان إلى المرور بتجارب تستغرق وقتاً وجهداً حتى يكتسب هذه المهارة. وهذا عمل يصعب على أكثر الناس، «متعلمهم وعاميهم»، تحمُّل مشقته، وهو يخالف اليسر والسهولة في الترائي اللتين أكدهما الشيخ الفوزان. بل إن «الرائي» الخضيري هو الوحيد في المملكة الذي يستطيع القيام بهذه العمليات المرهقة. وهو يتباهى بأنه يعرف الحساب ويشتغل به في رصد القمر. وهو ما يخالف موقف الهيئات الدينية الرسمية التي لا تعتمد الحساب في إثبات الأهلة، وتصف الحسابين بأنهم «جهلة وأدعياء». وتشهد محاضرته تلك بأنه ليس شاهداً «بريئاً» من الحساب. فهو يقوم بعمليات حسابية دقيقة لرصد الهلال بالدقيقة والثانية، ويصنِّف تقاويم مستقبلية لسنوات طويلة، ويتنبأ بالمستقبل. ومن ذلك قوله، في محاضرته العام الماضي، بأن أول شهر رمضان 1433ه سيكون في 20 يوليو 2012، وأنه سيكون «اضطراب عظيم» في هلال شوال سنة 2013! وهو يكتب أبحاثاً يرسلها إلى وكالة ناسا الأمريكية. ويعرف معيار يالوب، وينتقده، ويكتشف أخطأ علماء الفلك! ومع هذا يقول إنه لا يعتمد على الحساب في «رؤيته». ولا أظن علماءنا الأفاضل سيقولون إن هذا ليس حساباً. وترتبط رؤيته الواهمة، لزوماً، بحساباته البدائية حتى لو سلمنا بقوله عن عدم اعتماده على الحساب. ومن هنا فقبول شهادة الخضيري ومجموعته مخالف للسنة النبوية المطهرة في ترائي الهلال، لقيامها على الحساب، ولاحتكاره هو ومجموعته الصغيرة لهذه الشعيرة احتكاراً دائماً، وحرمان المسلمين جميعاً من المشاركة فيها. أما تطبيق السنة النبوية المطهرة في ترائي الهلال على الوجه الصحيح فيوجب كسر هذا الاحتكار عن هذه الشعيرة لتكون حقاً مشاعاً للمسلمين كما كانت منذ العهد النبوي، وفكها عن «الحساب»، خاصة أن حسابات الخضيري أكثر تعرضاً للخطأ من غيرها. وتوجب أسباب أخرى تصرف النظر عن شهادة الخضيري ومجموعته كذلك. منها كثرة التناقض في أقواله مما يجعل الاعتماد عليه أمراً غير مقبول. ومن تناقضاته ما يتعلق برؤيته «الهلال» قبل غروب الشمس. فهو يقول في محاضرته في جلاجل إن رؤية الهلال قبل الغروب مستحيلة لشدة وهج الشمس. لكنه صرح لصحيفة «الوطن» في 2/9/1431ه بأن شهادته رفضت في إحدى المرات مع أنها كانت «صحيحة ولكنها تمت قبل غروب الشمس ب13 دقيقة من قِبلي واثنين آخرين أحدهما بالمنظار. وبناء على هذه المعطيات لم تعتمد رؤيتنا لأنها كانت قبل مغيب الشمس»! وأشار بيان المحكمة العليا عن إكمال شعبان 1432ه إلى رؤية الهلال قبل الغروب. وربما كانت تشير إلى شهادته! وهو متناقض في موقفه من الفلكيين: فمرة يثني عليهم، لكنه يتهمهم بعدم الكفاءة، ويتهم البرامج التي يستخدمونها بأنها غير دقيقة أحياناً. وهو يحاول إضفاء الأهمية على نفسه بذكره لبعض إنجازاته. ومنها ما ذكره عن تفوقه على أحد فلكيي مدينة الملك عبد العزيز في رصد غروب الشمس. وقد رد المتخصصون عليه (الرياض، 21/9/1426ه) بأن «ما ذكره غير صحيح وما تم مناقشته معه كان موضوعاً مختلفاً تماما». وكذلك ادعاؤه رؤية هلال رمضان 1426ه ظهرا بعد انتهاء كسوف الشمس، مع أن ما رآه، إن رأى شيئا، كان قوس الشمس بعد انزياح القمر عن محاذاتها. وقد هاجم بعنف، هو وبعض المداخلين في محاضرته في جلاجل، «العامةَ» الذين يتدخلون في أمور الأهلة التي لا تعنيهم، لأنه لا قول لهم بعد قول الشهود (هو ومجموعته)! وهذا تأكيد لاحتكاره لهذه الشعيرة ودفاعه عن هذا الاحتكار وتقليله من شأن المسلمين وسلب حقهم في اتباع السنة النبوية المطهرة. وتتضمن بعض مقابلاته ادعاءات يصعب تصديقها. ومن أطرفها قوله في مقابلة مع مجلة «آيات» (9/10/1431ه) إنه «أعمل وكيل مدرسة وأستطيع رؤية (العلوك) و(البسكوت) التي يضعها الطلاب بين أجسامهم و(الفنيلة) من خلف الثوب، وأطلب منهم إخراجها قبل دخولهم». يا ساتر! لذلك كله، يوجب احتكار الخضيري ومجموعته لرؤية الهلال ومخالفة ذلك للسنة النبوية المطهرة التي يحرص علماؤنا الأفاضل على التقيد بها في ترائي الأهلة، واستنقاذ هذه الشعيرة من أيدي هؤلاء المحتكرين الحسّابين الوَهَمَة.