التناغم بين رفاق الدرب رئيس الجمهورية التركي عبد الله غول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ومساعده بولنت أرينتش وآخرون من قادة حزب العدالة والتنمية كان من أساس نجاح الحزب منذ تأسيسه، وكانت هناك محاولات عدة للإيقاع بين أردوغان وغول لإفساد هذا التناغم وشق صفوف الحزب بنشر تقارير حول وجود خلافات بين أردوغان وغول أحيانا، وبين السيدتين أمينة أردوغان وخير النساء غول أحيانا أخرى، ولكنها باءت بالفشل. وإن كانت تلك التقارير في معظمها مبنية على إشاعات وتمنيات مع كثير من المبالغات والمغالطات إلا أن الاختلاف في وجهات النظر حول مختلف القضايا أمر وارد بين السياسيين مهما كانوا ينتمون إلى تيار واحد، وكانت علاقاتهم أخوية ومتينة. مع ذلك، نجح كلا القائدين في تجاوز خلافاتهما في إطار التشاور والاحترام المتبادل بعيدا عن إرسال رسائل عبر وسائل الإعلام، دون أن يفسحا المجال لحدوث أي أزمة داخلية في حزب العدالة والتنمية الحاكم. علاقات أردوغان وغول الأخوية تمر هذه الأيام باختبار جديد، بعد أن اشتدت النقاشات حول رغبة أردوغان في تولي رئاسة الجمهورية ومصير حزب العدالة والتنمية ومستقبل غول السياسي، لأن أردوغان لا يخفي رغبته الشديدة في الترشح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات التي ستجرى بعد عامين، ولكنه يرغب أيضا في إدارة الحزب الحاكم من قصر تشانكايا ولو وراء الستار. عبد الله غول عندما أصبح رئيسا للجمهورية قطع صلته بحزب العدالة والتنمية، كما ينص على ذلك الدستور التركي، وجلس حتى هذه اللحظة في قصر تشانكايا كرئيس جمهورية محايد، ولم يتدخل في شؤون حزب العدالة والتنمية، كما لم يتدخل في قرارات الحكومة إلا في إطار صلاحياته. ولكن المتوقع ألا يجلس أردوغان في قصر تشانكايا كما جلس غول، وبالتالي كان حلم أردوغان تغيير الدستور للانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي أو شبه الرئاسي، أو على الأقل ألا يتم إلزام رئيس الجمهورية دستوريا بقطع صلته بالحزب الذي ينتمي إليه، إلا أن هذا الحلم يبدو بعيد المنال في الظروف الراهنة، ويبقى أمام أردوغان خيار واحد وهو أن يترك رئاسة حزب العدالة والتنمية، في حال انتخب رئيسا للجمهورية، إلى شخص موال له بشكل تام ولا يتمتع بكاريزما الزعامة، بل يستشيره في كل صغير وكبير ولا يخرج عليه. ولا شك في أن عبد الله غول ليس من هذا القبيل من السياسيين، ولذلك لن تكون عودته إلى حزب العدالة والتنمية ليتولى رئاسته بعد انتهاء فترته في رئاسة الجمهورية مناسبة لخطط أردوغان. أردوغان وأنصاره يرون أن رئيس الوزراء التركي في عز نشاطه وأن جلوسه في قصر تشانكايا كسياسي متقاعد وعدم الاستفادة من تجربته التي كسبها خلال السنوات العشر الأخيرة في رئاسة الحكومة خسارة كبيرة للبلد، ويؤكدون أن عبد الله غول لا يترشح لرئاسة الجمهورية مرة أخرى لينافس أردوغان في الانتخابات، ولكن لا أحد يقول: إن أردوغان لا يترشح لرئاسة الجمهورية إن قرر غول الترشح، ولا يسأل عن مصير غول الذي بالتأكيد هو الآخر يتمتع بحيوية ونشاط وخبرة واسعة، وأن جلوس زعيم مثله في بيته سيكون خسارة للسياسة التركية. رئيس الجمهورية التركي عبد الله غول يلتزم الصمت ولا يبدي رأيه فيما سيفعله بعد انتهاء فترته في رئاسة الجمهورية، بل يكتفي بالقول: إنه سينظر في الأمر حينه، ولكن مستشاره الإعلامي أحمد سَوَنْ كشف عن استياء غول من تصريحات بعض قادة حزب العدالة والتنمية، كتعليق بكر بوزداغ، مساعد رئيس الوزراء، على قرار المحكمة الدستورية التي فتحت المجال لترشح غول في الانتخابات الرئاسية بعد إلغاء القانون الذي ينص على حظر ترشحه، حيث انتقد بوزداغ قرار المحكمة الدستورية ووصفه بأنه غير ديمقراطي. وأكد مستشار غول أن رئيس الجمهورية انزعج كثيرا من محاولة حزب العدالة والتنمية لحظر ترشحه مرة أخرى بعد انتهاء فترته الحالية في الرئاسة. وجاء الرد على ما ذكره مستشار غول في الحوار الذي أجراه معه الكاتب الصحافي روشن تشاكر، من يالتشين آكدوغان، مستشار رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، واتهم آكدوغان مستشارَ غول بأنه ""ملكي أكثر من الملك نفسه"" وشدد على متانة العلاقات الأخوية بين أردوغان وغول، إلا أن الجميع يعرف أن مستشار غول الإعلامي لا يمكن أن يدلي بمثل هذه التصريحات دون علم رئيس الجمهورية وموافقته. تصريحات مستشاري أردوغان وغول تشير إلى بوادر أزمة بين الرجلين قد تشتد في الأيام القادمة، أو ينجحان في احتوائها وتخطي الخلافات في إطار علاقاتهما الأخوية المتينة، كما يرى أنصار أردوغان، إلا أن هناك أسئلة كثيرة لم تتضح حتى الآن أجوبتها، ومن أهم هذه الأسئلة تلك المتعلقة بخطط عبد الله غول السياسية، هل هو سيترشح في الانتخابات الرئاسية؟ وهل سيعتزل السياسة بعد انتهاء فترته في رئاسة الجمهورية أم أنه سيعود إليها؟ وإن قرر العودة إلى المعترك السياسي فهل سيعود إليه من باب حزب العدالة والتنمية أم سيواصل حياته السياسية في حزب آخر؟ وغيرها من الأسئلة التي لا شك أن أجوبتها ستحدد مسار العلاقات بين أردوغان وغول.