الحديث فيمن سيخلف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في رئاسة حزب العدالة والتنمية ربما يراه البعض سابقًا لأوانه قبل أن تخيِّم على تركيا أجواء الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في صيف 2015م، وقبل ثلاث سنوات تقريبًا من نهاية الدورة البرلمانية الحالية، إلا أن الكواليس في العاصمة التركية ووسائل الإعلام شرعت في التكهنات حول خليفة أردوغان الذي أعلن أنه لن يترشح لدورة نيابية رابعة التزامًا باللائحة الداخلية لحزبه. ومن المتوقع ألا ينتظر أردوغان لترك منصبه أن تنتهي الدورة النيابية الحالية ويقدِّم استقالته ليترشح في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 2014م، كما أن الانتخابات البرلمانية قد يتم تقديم موعدها بسنة لتجري الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية كلها في يوم واحد. الشخص الذي سيتولى رئاسة حزب العدالة والتنمية بعد أردوغان سيجلس أيضًا على كرسي رئاسة الوزراء مباشرة إن استقال أردوغان في 2014م ولم يُقَدَّم موعد الانتخابات، وكذلك سيكون من أبرز المرشحين للفوز في الانتخابات البرلمانية وبرئاسة الوزراء لما يتمتع به حزب العدالة والتنمية من الشعبية الواسعة لدى الناخبين. وهذا ما يزيد أهمية كرسي رئاسة الحزب الحاكم ويجعل التنافس عليه محتدمًا. وهناك مرشحون محتملون لرئاسة حزب العدالة والتنمية في مرحلة ما بعد أردوغان، ومن أبرز هؤلاء نائب رئيس الوزراء والناطق باسم الحكومة بولنت أرينتش، ونائب رئيس الوزراء المسؤول عن الاقتصاد علي باباجان، ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو. ومن المستبعد جدًّا أن يتكرر سيناريو بوتين وميدفيديف في تركيا ليتبادل غول وأردوغان منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء؛ لأنه ببساطة ليس أردوغان ببوتين ولا غول بميدفيديف كما أن تركيا ليست بروسيا. اللائحة الداخلية لحزب العدالة والتنمية لا تسمح لأي عضو بأن يترشح أكثر من ثلاث دورات نيابية متتالية، وهذا الحظر يشمل كلاًّ من بولنت أرنتش وعلي باباجان وأسماء أخرى من قادة الحزب الحاكم، وكان بعض النواب قد طلبوا من أردوغان تغيير هذه المادة إلا أنه رفض ذلك بشدة. وتأييدًا لموقف أردوغان، أكَّد علي باباجان أن هذه المادة التي وضعت نظرًا إلى النتائج السلبية للتجارب السابقة في احتكار المناصب من قبل كبار السن يجب أن يتم تطبيقها من دون تغيير. وقد يُقْدِم من يأتي بعد أردوغان إلى رئاسة حزب العدالة والتنمية على تغيير اللائحة الداخلية ليرفع حظر الترشح عن نحو 70 نائبًا، لكن خطوة من هذا القبيل لن تلقى ترحيبًا من الشارع التركي الذي عانى كثيرًا سيطرةَ السياسيين المُسِنِّين على الحياة السياسية سنين طويلة. لا شك في أن بولنت أرينتش، نائب رئيس الوزراء والناطق باسم الحكومة، من أبرز المرشحين لتولي رئاسة حزب العدالة والتنمية، ويعتبر أرينتش "الأخ الكبير" لأقطاب الحزب ومؤسسيه، ويتمتع بتجربة واسعة في السياسة التركية اكتسبها من خلال المناصب العديدة التي تولاها منذ دخوله البرلمان التركي في كانون الأول (ديسمبر) 1995م نائبًا عن حزب الرفاه. ومن العوائق التي تقف أمام أرينتش، حظر اللائحة الداخلية للحزب ترشحه لدورة نيابية رابعة، إضافة إلى أن عمره سيتجاوز بعد سنتين، في أثناء الانتخابات القادمة إن تم تقديم موعدها، 66 عامًا. أما علي باباجان، نائب رئيس الوزراء المسؤول عن الاقتصاد، فسجله الناصع وقربه من أردوغان وعمره البالغ حاليًا 45 عامًا من العوامل التي تجعله من المرشحين البارزين لرئاسة حزب العدالة والتنمية. وكان باباجان وزير الخارجية قبل أن يسلِّم هذه الحقيبة إلى أحمد داود أوغلو في أيار (مايو) 2009. ورغم كل هذه النقاط الإيجابية فإن احتمال تولي باباجان رئاسة حزب العدالة والتنمية بعد أردوغان ضئيل، لكون اللائحة الداخلية التي يطالب باباجان نفسه بتطبيقها كاملة تمنع ترشحه؛ ولكونه أيضًا لا يتمتع بكاريزما الزعامة وصفاتها التي لا بد من توافرها في قائد المرحلة التي تمر بها البلاد. ولعل المرشح الأوفر حظًّا من بين هؤلاء وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، لأسباب عدة؛ أولها أن حظر الترشح لا يشمله؛ لأنه حتى الآن لم يترشح إلا لدورة نيابية واحدة، أي أن أمامه دورتين نيابيتين، وأن عمره الذي سيبلغ بعد سنتين 55 عامًا لن يشكِّل عائقًا في طريق توليه رئاسة حزب العدالة والتنمية. وأما السبب الثاني فتمتع داود أوغلو بكاريزما الزعامة وصفات القائد التي أدخلته إلى الساحة السياسية من أوسع أبوابها. ورغم انضمام داود أوغلو إلى حزب العدالة والتنمية أخيرًا، إلا أنه لم يجد صعوبة في التأقلم مع ظروف السياسة وكان أداؤه في أثناء الحملات الانتخابية كأداء لاعب سياسي ذي خبرة كبيرة. وأما السبب الثالث والأهم فكون داود أوغلو مهندس السياسة الخارجية، فالسياسة الخارجية التي أسهمت كثيرًا في نجاح حكومة حزب العدالة والتنمية ستكون بلا أدنى شك على رأس أولويات الحكومة التركية في المرحلة المقبلة الحرجة التي تمر بها المنطقة بأكملها، وهذا ما يرجِّح كفة داود أوغلو أمام المرشحين الآخرين ويجعله رجل الساعة. هناك مجال دائمًا في الحياة السياسية للمفاجآت، لكن جميع المؤشرات تشير حاليًا إلى أن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو هو المرشح الأقوى - إن لم يكن الوحيد - لرئاسة حزب العدالة والتنمية ولرئاسة الوزراء ولقيادة تركيا بعد أردوغان.