هذه المرة الثالثة على التوالي–والأخيرة حتى إشعار آخر– التي أكتب فيها عن تناقضات مجتمعنا، والحديث اليوم بما أننا في شهر رمضان المبارك عن الأغنياء وتعاملهم مع الزكاة. فهناك من لا تفوته صلاة التراويح وهي من السنن، وهذا أمر ممتاز، لكنه ينسى، أو يتناسى القيام بدفع الزكاة على الوجه الصحيح، وهي إحدى أركان الاسلام التي لا تغني الصدقات ولا صلاة التراويح عن القيام بها بالشكل الذي حدده الشرع، وسوف أذكر حالتين، أو مثالين: المثال الأول: هناك من كبار الأغنياء من يطلب من المشائخ فتاوى عن كل صغيرة وكبيرة، ولكن حين يقولون له أن أرضك في شمال الرياض التي تبلغ قيمتها السوقية مئة مليون ريال تجب عليها زكاة هذه السنة مقدارها مليونين ونصف المليون ريال حتى لو لم تقم ببيعها، ويشرحون له حكمة الشارع من ذلك، فإنه يرفض هذه الفتوى ويصفها بالمتشددة، ويبحث عن فتوى أخرى حتى يحتفظ بالأرض عشرين سنة، ليدفع 2,5 % من قيمة الارض فقط عند البيع، و"يكنز" لنفسه وورثته مقدار زكاة 19 سنة سابقة التي هي حق للفقراء، كان يجب أن يدفعها دون منّة، وكان يجب ألا يقال له بأنه رجل الخير حين يدفع بعض الفتات منها. ولو تم إلزام كل صاحب أرض –إذ كانت من عروض التجارة- بدفع الزكاة سنويا، فإنه سيضطر في الغالب لبيعها أو استثمارها، ولما ارتفعت اسعار الاراضي لدينا بهذا الشكل الجنوني، ولقل بالتأكيد عدد الفقراء. المثال الثاني: يقوم الكثير من اغنياء الوطن بإعداد ميزانيتين أحدهما صحيحة، والأخرى بأرقام أقل يتقدم بها لمصلحة الزكاة والدخل، وهذا ما يفسر أن دخل المصلحة لا يتوازى مع حجم النشاط الاقتصادي في البلد، ويقول بعض هذا البعض أن السبب هو أنهم يدفعون الزكاة بأنفسهم. ومهما كان المبرر فإن القيام بإعداد ميزانيتين -الذي يعني بالتأكيد أن احدهما مزورة- هو مخالفة للأنظمة تستحق العقوبة، وهو في الغالب تهرب من أداء واجب وطني، يحتاج من يقوم به مراجعة اخلاقيات المحاسبة، وقبلها مراجعة اخلاقيات الإسلام، ونحن في رمضان.