تابعتُ ندوة “قبة” الجزيرة، والحوار المفيد مع وزير الشؤون البلدية والقروية، الأمير الدكتور منصور بن متعب، الذي كان بلاشك مفعماً بالكثير من التفاصيل المهمة حول قضية الإسكان. تلك القضية التي تعدّ الأزمة رقم (1) بالنسبة للغالبية الساحقة من السعوديين. إلا أن ذلك الحوار زفّ خبراً ليس بالسعيد بالنسبة ل%80 من السعوديين الذين لا يملكون بيوتاً. ذلك عندما سُئل الوزير عن الأراضي البيضاء التي تمثل نصف مساحة المدن، وعن القرار الذي تبناه مجلس الشورى بفرض الضريبة على تلك الأراضي، فأجاب الوزير بأن هيئة كبار العلماء أفتت بعدم جواز فرض الضريبة على تلك الأراضي. هذا معناه أن أزمة السكن ما زالت بعيدة عن الحل، وأن أحلام ال%80 التي علقت على ذلك القرار قد تبخرت مع ذرات الهواء، فبدون حل مشكلة ارتفاع سعر الأرض، لن يستطيع الناس أن يحققوا هذه الأحلام. ذلك أن حل أزمة السكن مرتبط ارتباطاً مشيمياً بكسر أسعار الأراضي، ولن تحل الأزمة بدونه. بثت قناة العربية منذ فترة تقريراً اقتصادياً يقول إن ميزانية المملكة هذه السنة تكفي لبناء مليار و400 مليون وحدة سكنية! برغم اعتقادي أن هذه المعلومة غير صحيحة، إلا أنني أقول إن السعوديين لا يحتاجون مليار وحدة ولا أربعمائة مليون وحدة. فالسعوديون قرابة 18 مليون نصفهم نساء، فلنسقط من الحسبة تسعة ملايين. ولو نظرنا في النصف الباقي لوجدنا معظمهم من الصغار والمراهقين، وأن الرجال الكبار الذين أسسوا عوائل لا يجاوزون كثيراً الثلاثة ملايين رجل. وإن كنتُ لا أملك إحصائيات دقيقة، إلا أنني أجزم أن ثلاثة ملايين وحدة سكنية ستحل أزمة السكن عندنا من القريات إلى جيزان. ولو ضربنا ثلاثة ملايين في خمسمائة ألف قيمة الوحدة السكنية، لكان الناتج هو 1500000000000، وهو مبلغ ليس بالمرهق للميزانية. لكن تبقى مسألة الأرض، فالمواطن السعودي اليوم، أعني ال %80 الذين أتحدث بلسانهم هنا، لا يستطيعون شراء أصغر قطعة أرض بأسعار اليوم. لقد خسر هؤلاء ال%80 كل مدخرات العمر في محرقة سوق الأسهم في 2006، وأصبحوا اليوم يدفعون كل مرتباتهم لتسديد الأقساط ويتنازلون عن كثير من هواياتهم، ويضعون الريال على الريال؛ لكي يحفظوا ماء وجوههم فلا يضطرون للاستدانة من الأصدقاء قبل نهاية الشهر، ولو أراقوا ماء وجوههم واستدانوا فلن يجدوا من يقرضهم إلا نادراً. مَن هذه حاله، لن يستطيع شراء ثلاثمائة متر ولا مائتي متر، مع وجود هذه الأسعار التي فاقت أسعار أراضي أوروبا كلها. بالنسبة لفتوى هيئة كبار العلماء حول الضريبة، هي لا تتعارض مع فتواهم في وجوب الزكاة على الأرض، فالزكاة شيء، والضريبة شيء آخر. الزكاة حق للفقراء فرضه الله في كتابه وقرنه بالصلاة في مواضع لا تحصى من قرآننا العظيم (فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة). نعم، هناك من يفتي أصحاب الأراضي بجواز احتكارها رغم شدة الحاجة لها، فيحبسها عقوداً طويلة من الزمان ويزكيها مرة واحدة عند البيع، حتى وإن احتكرها لمدة عشرين عاماً، وهذه فتوى مخالفة تماماً للفتوى رقم (16994) من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، التي هي جواب عن سائل يسأل عن ست قطع أراض معدة للبيع، ولكن السوق انخفضت فأبقاها حتى تتحسن سوقها، فكان الجواب كالآتي “قطع الأراضي المعدة للبيع تجب فيها الزكاة كل سنة، بأن تقدر قيمتها على رأس السنة، ويخرج ربع العشر من القيمة المقدرة”، وعلى هذه الفتوى يوجد توقيع شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز (رحمه الله)، والشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، والشيخ صالح الفوزان، والشيخ بكر أبوزيد، والشيخ عبدالله بن غديان. هذه الفتوى موجودة في أحد الأجزاء التي طبعتها دار الإفتاء بهذا الرقم الذي ذكرته، وهي صريحة في وجوب الزكاة. ومقدارها كل سنة %2.5 من قيمة الأرض. الحاجة للأمن، من الحاجات الخمس الأساسية للإنسان، ولن يشعر الإنسان بالأمن على عائلته وهو لا يملك بيتاً. إننا في زمن فتنة، والحاجة ماسة لألفة قلوبنا ووحدتنا. إن بلادنا مستهدفة من أعداء خطرين، ومن تابع الشبكة الاجتماعية (تويتر) سيعلم أنه أمام أعمال استخباراتية هائلة تهدف لبث الفرقة بين أبناء مجتمعنا وبين قيادته والأسرة الحاكمة. وهؤلاء الذين يعملون في الظلام يعلمون جيداً كم هي صعبة الأوضاع الاقتصادية عندنا؛ ولذلك يسعون بكل جهد لنشر الكراهية وتحريك المشاعر السلبية ضد الوضع الطبقي المتمايز في بلادنا. كل هذه التحديات الرهيبة تستوجب أن نقف في وجهها بمحبتنا لبعضنا وتكاتفنا. يجب أن نعض على المحبة بنواجذنا؛ لأنه إن ذهبت المحبة فقل على الدنيا السلام.