تستفيد الدعوة الإسلامية من كل منجزات العصر التقنية، وفي كليات الإعلام والاتصال هناك دراسات وبحوث وكتب عن الإعلام الإسلامي المعاصر وما يمكن أن يقوم به الدعاة من خلال الوسائط التقنية لنشر الدعوة وإصلاح عقائد الناس والتواصل معهم عن قرب، ولكن الشاهد أن تلك الوسائط عبر الشبكة العنكبوتية من خلال مواقع فيسبوك وتويتر أصبحت تستهوي بعض الدعاة ليس لأجل الدعوة وتقويم العقائد والفهم الفقهي، وإنما للمزايدة على الأتباع والجمهور والتفاخر بأعدادهم مما يحرّف فكرة توظيف الوسائط التقنية عن الهدف الدعوي، لأن الدعاة بدأوا يتعاملون بمنظور ضيّق بحسب المصلحة الذاتية ورصد الملايين التي تهفو للتغريد مع هذا الداعية أو ذاك، وفي بعض الأحيان يتحوّل التغريد الى مهاترات ودخول في عراك مع شخصيات ليبرالية أو خلافه. نجومية بعض الدعاة لا ترقى الى الاحترام بعد أن أصبحت غاية في حد ذاتها بالنظر الى مباهاتهم وتفاخرهم بعدد الأتباع، ولا أعلم إن كان عدد الأتباع يمكن أن يكون ميزانًا للحسنات أو المعروف أم لا، وأدلل على ذلك ما بعثه الشيخ سلمان العودة في تغريدة له من تهنئة للشيخ محمد العريفي الذي وصل عدد متابعيه على (تويتر) إلى مليون شخص: «أهنئك يا صديقي د. محمد العريفي على تجاوز حاجز المليون، دائمًا أنت لا تقبل بدون القمة» وصدقًا لا أعرف أي قمة مزعومة يتحدث عنها العودة ونالها العريفي، فالعلماء والدعاة قمتهم في التواضع والسعي لكسب ود الناس. أمر الدعوة لا يمكن أن يقوم بهذه الأمور الانصرافية التي تحرف الدعاة عن المنهج الحقيقي للشرع الحنيف وتبسطه لعامة الناس، وإذا كان الدعاة على هذا التفاخر والبحث عن الشهرة.. ألم يكن الأجدر بإفراغ الوقت والجهد في الدعوة والحديث عن قيم الدين والقيم الوطنية والاجتماعية بدلًا من الخوض في مهاترات لا طائل من ورائها؟ ألم يكن الأجدر الترفع عن حصد الألقاب والبحث عن الذات على رؤوس الأشهاد، والنيل من قيمة العلماء والدعاة بالنزول الى مثل هذه المناقشات غير المجدية؟ أليس من الأفضل عد الذين يتم إدخالهم الى حظيرة الدين من الفاسقين والضالين والباحثين عن طريق الرشاد؟! فما الذي تركوه للعوام، وفي هذا الإطار أسأل الشيخ العودة «المهنئ» والشيخ العريفي «مَن تمّت تهنئته».. ماذا يعني أن يصل عدد أتباع أحدكم الى مليون أو اثنين أو عشرة؟ ما القيمة التي يجنيها الدين والوطن والمجتمع من مثل هذا الحصاد البيزنطي الذي لا يقدِّم ولا يؤخر؟ إنما كانت غفلة الأمم من قبلنا جدالهم وحوارهم في أمور سطحية وفارغة كهذه، وها نحن نعيد الحيثيات والتاريخ بذات النمط الذي يؤخرنا ويزهق قيمة العلم والعلماء، ويجعلنا لا نستفيد من علمائنا بعد أن انشغلوا بحصد الأتباع وحساب عددهم والمفاخرة بهم وتلقي التهاني في ذلك، ولعمري إن ذلك لأمر عظيم وجلل حين يتحوّل الدعاة الى هذه السفاسف من الأمور ويتركون ما هو أهم. ألم يكن الأجدر بإفراغ الوقت والجهد في الدعوة والحديث عن قيم الدين والقيم الوطنية والاجتماعية بدلًا من الخوض في مهاترات لا طائل من ورائها؟ ألم يكن الأجدر الترفع عن حصد الألقاب والبحث عن الذات على رؤوس الأشهاد والنيل من قيمة العلماء والدعاة بالنزول الى مثل هذه المناقشات غير المجدية؟ أليس من الأفضل عدّ الذين يتم إدخالهم الى حظيرة الدين من الفاسقين والضالين والباحثين عن طريق الرشاد؟ ثم ماذا نستفيد نحن إن وصل أتباع العريفي أو العودة الى مائة مليون فيما هم تنزلوا بقيمة العلماء والدعاة الى مواضع لا تليق بهم والخوض في صغائر الأمور وتحويل التقنية الحديثة الى غير مجال الدعوة؟.. فهل من مجيب؟