على الرغم من شدة حرارة الصيف، ولهيب شمسه الحارقة، وارتفاع درجة حرارته إلى الخمسين، إلا أن هذه الأجواء لم تُثْنِ سُكَّان حارتنا عن الذهاب إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة، وعلى الرغم من عدم تمكّن أجهزة التكييف من إعطاء برودة عالية إلا أن المصلين وجدوا ذلك سببًا لزيادة الأجر وعظيم الثواب. وعلى الرغم من شديد الازدحام والمبادرة لأداء هذه الطاعة، إلا أن خطيب جمعتنا وجدها فرصة سانحة ليستغل فرصة حرارة الصيف ليقدّم موعظته للمصلين يذكّرهم فيها بنار جهنم وشدة حرها! وذكر: أن حرارة هذا الصيف الحارق لا تقارن بنار جهنم، وانهال خطيب مسجدنا يصفنا بالعُصاة والمذنبين، وأنكم «أيها العُصاة والمذنبون إن لم تتوبوا وتستغفروا وتعودوا عن معاصيكم فستكون نار جهنم هي مصيركم». على الرغم من شديد الازدحام والمبادرة لأداء هذه الطاعة، إلا أن خطيب جمعتنا وجدها فرصة سانحة ليستغل فرصة حرارة الصيف ليقدّم موعظته للمصلين يذكّرهم فيها بنار جهنم وشدة حرها ومع احترامي وتقديري لخطيب جمعتنا، إلا أنني أوجّه له هذه الأسئلة: لماذا تخاطب المصلين المسلمين بآيات جهنم التي وجّهها الله تعالى للكفار، ولم يوجّهها للمسلمين؟ لماذا توجّه خطاب جهنم لهؤلاء المسلمين الذين جاءوا بسكينةٍ ووقار، بأحسن حلة وأجمل طهر وأروع شعيرة يمارسها المسلمون نهاية كل أسبوع مستشعرين هدي النبي محمد «صلى الله عليه وسلم»؟ هل تعلم علم اليقين أن هؤلاء المصلين يقترفون ذنوبًا توجب عذاب جهنم؟ أم أن حديثك مجرد ظن تدعمه حقيقة البشرية الأمَّارة بالسوء؟ هل هذه الذنوب التي تخيّلتها على سُكَّان حارتنا هي ذنوب متعدية أم ذنوب لازمة؟ هل هي من الموبقات أم من اللمم الذي يغفره الله ويتجاوز عنه بالاستغفار والذكر؟ إنني أعرف كثيرًا من سكان حارتنا الذين يصلون يوم الجمعة، وأعرف عنهم عظيم الأخلاق والتهذيب، وحبّهم لله ورسوله، وأعرف عنهم أنهم هم مَن تكاتف وتعاضد وتبرع بالمال والنفقة ليبنوا هذا المسجد ويجعلوه مسجدًا رائعًا مريحًا للعبادة والصلاة وللقاء الله تعالى، فأي ذنبٍ أذنبه هؤلاء المسلمون حتى تخوّفهم بنار جهنم؟ لم أعهد على سكان حارتنا إلا حُبهم لكتاب الله تعالى، وشديد حرصهم ليكون أبناؤهم ممن يلتحقون بحلقات القرآن الكريم ومجالس الذكر الحكيم؟ منذ مدة طويلة وسكان حارتنا طيبون مؤمنون، يقرأون القرآن، ويستمعون لأحاديث رياض الصالحين، وهم مَن هم في تأسسهم على كتاب التوحيد والأصول الثلاثة وكشف الشبهات، كما أن إذاعة القرآن الكريم تدوّي في أرجاء بيوتهم وسياراتهم طوال الوقت. لم أعهد على سُكَّان حارتنا أو أحد أبنائهم أن أدينوا بجرائم أخلاقية، أو تعديات في جوانب الذات الإلهية! لم أعهد عليهم أن أُدينوا في جرائم رشوة أو تزوير أو سلب حقوق ليست لهم! لم أعهد على سُكَّان حارتنا أن تعدُّوا على مال عام أو خاص، ولم يغتصبوا أراضي أو عقارات وجنوا منها ملايين الريالات بغير وجه حق! لم أعهد عليهم أن تسلطوا على إخوانهم المسلمين وحرموهم أرزاقًا أو وظائف أو مناصب! فلماذا توجّه لهؤلاء الطيّبين المؤمنين سياط عذاب جهنم؟ لماذا يا فضيلة الشيخ تغلّب جانب الخوف على جانب الرجاء؟ لماذا لا تحفز هؤلاء المسلمين الطيبين على المبادرة والمنافسة الحضارية بدلًا من أن تكسر مجاديفهم وطاقاتهم وتذهب أعمالهم الصالحة أدراج الرياح؟! أيها الشيخ دع سُكَّان حارتنا وربهم فهو أعلم بهم وبنيّاتهم، وأتمنى أن يسعك ما وسع رسول الله «صلى الله عليه وسلم» الذي كان ميسّرًا وليس معسرًا، ومبشّرًا وليس منفرًا.