في كانون الأول (ديسمبر) 2007 أقر مجلس الشورى ""نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية"" بعد شهور من المداولات. خلال ذلك العام حظي المشروع بمناقشة العديد من كتاب الرأي في الصحافة المحلية. والحق أن ما نشر من مواده يمثل بداية معقولة، رغم بعض التحفظات. على أي حال، فقد تصرمت أربع سنوات ونصف منذ إرسال المشروع إلى الجهة التنفيذية كما يقتضي مسار التقنين. هذا الزمن الطويل يثير قلق النخبة الوطنية من أن المشروع المنتظر ربما أصبح ضيفا ثابتا في الأرشيف. كان مقدرا أن يؤسس نظام الجمعيات الأهلية إطارا قانونيا لمجتمع مدني نشط في المملكة. قبل عقدين من الزمن لم يكن في المملكة سوى الجمعيات الخيرية التي تكفل الفقراء. أما اليوم فهناك إضافة إلى هذه عشرات من الجمعيات العلمية والحرفية، وجمعيات الشباب والطلاب، ومجموعات الدفاع عن حقوق الإنسان، فضلا عن جماعات الإرشاد والمساعدة الثقافية، والعناية بالبيئة والتراث وغيرها. تمثل هذه المجموعات رافدا مهما في التنمية الاجتماعية. ويمكنها أن تلعب دورا أكبر في تطوير الكفاءات، ومساعدة الدولة على استنهاض المجتمع، وحماية مكاسب التنمية، وتطوير الإدارة الرسمية، وعقلنة الثقافة، وإشاعة قيم الحوار والتفاهم بين الأطياف الاجتماعية المختلفة. يعرف الاجتماعيون أن منظمات العمل التطوعي تلعب دورا فعالا في عقلنة المطالب والجدالات المحلية، وتحويل انشغالات الجمهور من هموم (في المعنى السلبي) إلى فرص (في المعنى الإيجابي)، وفي تخفيف الاستقطاب والتحيز، فضلا عن إغناء وترسيخ الهوية الوطنية الجامعة. لكن هذا يتطلب أولا وضع الإطار القانوني الذي يسمح بإنشاء المؤسسات وينظم عملها. من دون إطار قانوني واسع، تتحول مؤسسات المجتمع المدني إلى عمل غير واضح وغير مؤثر. أظن أن بعض الهواجس عطلت صدور نظام المؤسسات الأهلية كل هذه السنوات. ولا أرى أي سبب قانوني أو إداري يعطل مثل هذا النظام المهم. لكن أيا كان الأمر، فالمنطق يقتضي إعادة النظر في ذلك العامل أو أي عامل آخر وراء التعطيل. ثمة إجماع بين المثقفين ونخبة المجتمع على أن تقنين المجتمع المدني واحد من أبرز تجليات الإصلاح الذي ينشده الجميع. وهو وسيلة لإدارة التحولات الاجتماعية على نحو سلس ومفيد. ومن هنا فقد علقت على النظام آمال عريضة. الحاجة إلى مؤسسات المجتمع المدني تزداد يوما بعد يوم. وثمة كثير من الناس ينشئون مجموعات عمل تطوعي. لا يريد أحد أن تبقى هذه المؤسسات خارج إطار القانون. مسارعة الدولة إلى فتح المجال العام للأذكياء والنابهين والناشطين، ستوفر عليها مؤونة مراقبة العاملين خارج إطار القانون. وستريح نفسها من أجواء الارتياب التي ترافق أي نشاط عام غير مقنن. لكل الأسباب السابقة، أدعو إلى المسارعة في إصدار نظام المؤسسات الأهلية. فهو سيعين على حل العديد من المشكلات، كما أنه – أيضا – سيعزز الأمل في أن قطار الإصلاح ما زال على السكة.