نشرت «الحياة» في عدد السبت الماضي، وعلى صفحتها الأخيرة، خبراً بعنوان «حبوب منع الحمل لحمام النمسا»، يقول الخبر: «قبل أكثر من عشرة أعوام قررت سلطات مدينة لينتس النمساوية وضع حبوب منع الحمل في الأطعمة التي تقدمها إلى طيور الحَمام بهدف التصدي لمشكلة تزايد أعدادها، وقد أثبتت هذه الطريقة فعاليتها وأراحت شوارع المدينة». أسعدني هذا الخبر، فربما تفكر أمانة مدينة جدة في استيراده من النمسا، وتقدمه للحمام الذي تكاثر في المدينة، وأصبح يعتمر صناديق تكييف المنازل، ونوافذها، خصوصاً في حي السلامة الذي أسكنه. وبما أن صديقتي الشاعرة والكاتبة «حليمة مظفر» كتبت في إحدى تغريداتها معلنة حبها للحمام ونقراته البريئة على شباك غرفتها، فأنا التي كنت قديماً مغرمة به، ولكم تغزلت به في أشعاري، أعلن عليه الكره الآن، لأنه يُشرع على شبابيك غرفتيّ الاثنتين ليلاً ونهاراً، ونقراته عليها غير بريئة، فهو يقذف عليها ذرقه، ويدخل ريشه إلى الغرفة عن طريق فتحات التكييف، ويسبب لي ضيقاً، خصوصاً وأنا أعاني من حساسية الصدر التي يكون الريش أحد مسببات هيجانها، عدا الفزع الذي يسببه لي كلما صحوت ما بين لحظة وأخرى، إذ يرتفع هديله فوق صوت جهاز التكييف حد النواح، ما يجعلني أنتفض مذعورة لغياب وعيي أثناء النوم ونسياني وجوده على شبابيك غرفة نومي، وشبابيك بقية الغرف في المنزل، وهو والله يا صديقتي لم أجد فيه البراءة التي رأيتها فيه، فهو يكلفني مبالغ شبه شهرية لإصلاح التكييف مع أنه جديد، وقد قال لي الفني الذي في الورشة التي في حينا: «فيه حمام فوق تكييف فيه خراب على طول»، وطبعاً قال لي هذا الكلام والابتسامة العريضة تملأ شفتيه لأنه وورشته هما المستفيدان من هذا الخراب. ومع الاعتذار الشديد لأديبنا الروائي «يوسف المحيميد»، صاحب الرواية الرائعة «الحمام لا يطير في بريدة»، فأنا أستميحه العذر في اقتباس عنوانه وأقول «الحمام لا ينام في جدة»، ربما تعلم من أهلها السهر، والسمر، ولا يحلو له الغزل والمسامرة إلا على الشبابيك، يذكرني بأغنية نجاة الصغيرة «على الشباك وأنا قاعدة على الشباك وناري الحلوة باستناك»، وأوافقه في أنه لا يطير فيها أيضاً، لأنه وجد الناس تأتيه بالطعام أينما وُجد، بل وتجبره على ألا يطير وقد اكتشفت رجلاً سبعينياً كجار الأستاذ هاني الظاهري الذي أشهره في كتاباته الإنترنتية، خلف منزلنا يومياً صباح مساء مع أولاده، يحمل كيساً من الحبوب ينثره في الشارع، فينزل الحمام ويأكل حد التخمة، ثم يعود إلى منازله فوق بيوت التكييف، والنوافذ، والأدهى من ذلك أني وجدتُ أمي عندما دخلتُ المطبخ وقد ملأت كيساً من الخبز بعد أن فتتته، فلما سألتها لماذا؟ قالت: أفتح النافذة وأضعه للحمام، ما زادني قهراً، ولن أعترض، فحجتها قوية أن في «كل ذات كبدة رطبة أجراً»، ما جعل رواية أديبتنا البوكرية «رجاء عالم» تنطبق على بيتنا فأصبح «طوق حمام»، طارت النوارس من جدة وحل محلها الحمام في كثير من الميادين، والناس تتهافت مع أطفالها لإطعامه ثم يقذفون أكياس الزبالة والأدوات التي يحضرون فيها الطعام في المكان أو الميدان نفسه ما يشوه شوارع المدينة، ويزيد من تكاثره وقد تختنق به جدة قريباً ويسبب كارثة حقيقية، وبما أن الأغنية الفلكلورية القديمة تقول: «أهل مكة حمام، وأهل جدة قماري»، فاسرعي يا أمانة جدة باستيراد هذا الطعام من النمسا.