يعد حمام الحرم أبرز ما يطبع في ذاكرة زوار بيت الله الحرام في مثل هذه الأيام الفضيلة؛ فأسراب الحمام تهبط وتسير في ثقة بين المصلين، وهذا لا يحدث من الأنواع الأخرى التي تعيش خارج مكة. ويحرص زوار البيت الحرام على نثر الحب في ساحات الحرم، فتأتي واثقة لتلتقط الحب وعادة ما يبني حمام الحرم أعشاشه في فتحات "الروشن" العتيق، ويمكن القول إن حمام الحرم يشكل معلماً أساسياً من معالم مكةالمكرمة تستوقف أسرابه الزائر وهي تحلق حول الكعبة المشرفة، ومآذن الحرم وساحات المسجد الحرام. وحمام الحرم له مكانته الخاصة تغنى به الشعراء، وضُربت فيه الأمثال، ويندر أن تقرأ لرحالة أو أديب وصفاً للبيت الحرام بدون أن يعرج في وصفه على حمام الحرم أو حمام الحمى أو حمام البيت، وهي كلها مسميات لذلك النوع من الحمام الذي استوطن مكةالمكرمة، وعاش في رحاب حرمها آمناً مطمئناً، ولهذا الحمام لونه المميز. وقد وصفه أحدهم بأنه: "شديد الزرقة من رأسه لرقبته وطرف جناحيه وذيله الأسود، أما الجزء المتبقي من جسده فلونه أزرق يميل إلى البياض، وفي جناحيه وذيله خطان أسودان لا يوجد مثلهما في غيره". ووردت العديد من الأبيات الشعرية التي تغنى بها الشعراء في حمام الحرم، فللشاعر الكبير بيرم التونسي قصيدة شهيرة جاء على ذكر حمام الحرم في بعض أبياتها: فوقنا حمام الحمى عدد نجوم السما طاير علينا يطوف ألوف تتابع ألوف طاير يهني الضيوف بالعفو والمرحمة واللي نظم سيره واحد مفيش غيره جميل حين يطير ورائع حين يقف، ورشيق حين يمشي وهو الوحيد من دون كافة أصناف الحمام الذي لا يفقد قيمته بتقدم عمره أو حتى عجزه عن التكاثر، كما هو الوحيد الذي لا يجرؤ أحد على صيده أو حتى إخافته رغم ضعفه وعجزه وقلة طيرانه عالياً إلا أن هيبته كبيرة. ويتمتع حمام الحرم بجمال من نوع خاص وينعم بأمان يكاد يحسد عليه، وينثر حكاياته مع ضيوف بيت الله الحرام. واختلفت الروايات في أصله بين من اعتبره امتدادا للحمامتين اللتين عششتا عند مدخل غار ثور أثناء هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم مع صاحبه أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- إلى المدينةالمنورة، ومنهم من أعاد أصله إلى أوروبا موطنه الذي قدم منه. وينتشر "حمام الحرم" بكثافة في منطقة بوابة الحجون غربي الحرم، وكأنه يستقبل القاصدين للبيت العتيق من حجاج ومعتمرين ومصلين. وتطوف أسراب الحمام معظم الأوقات في محيط الحرم وحول مآذنه، لكنها لا تطير فوق الكعبة وإنما حولها، وبعضها يجوب فضاء مناطق أخرى بمكةالمكرمة. وتهبط أسراب الحمام بكل ثقة ودون خوف بين جموع المصلين في ساحات الحرم وفي الطرق المؤدية إلى ساحاته في مشهد لا تنساه الذاكرة، وقد أصبح إقبال الحجاج والمعتمرين على نثر الحبوب ليلتقطها الحمام جزءا من تقليد متبع في العاصمة المقدسة. وسبب تسميته بحمام الحمى؛ كان أهل مكةالمكرمة يسمون ب أهل الله وكانت مكة حمى لمن يدخلها، وكان الحرم المكي حرماً آمناً، وأهل المدينة يسمون بأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وأهل البيت، وكان الحرم النبوي هو الحمى الحقيقي لأهل المدينةالمنورة، ولما كان الحمام اغلب إقامته في الحرم النبوي خاصة وفي مكةالمكرمة عامة أصبح يسمى هذا الحمام بحمام الحمى دوناً عن باقي الطيور في العالم.