لو كانت كارثة سيول جدة الكبرى معلقة برقبة المتهمين الذين تمت تبرئتهم مؤخرا لطوينا صفحتها «من زمان»، لكن قضيتهم لا تقع إلا على هامش القضية الكبرى، وحتى نرى المسؤولين الفعليين عن الكارثة التي زرعوا بذورها في الماضي لنحصد مرارتها في الحاضر يقفون خلف قضبان العدالة فإن الكارثة ستبقى جرحا مفتوحا لا يندمل! فهناك من يراهن على الزمن ليطوي بالنسيان ذكرى الكارثة وصناعها، خاصة أن الرهان على ثقوب ذاكرة المجتمع كان دائما رابحا في مجتمع ينسى سريعا من يسيئون إليه ويبخسونه حقه ويقصرون في واجبه!. لكن العدالة التي نبحث عنها لتقتص لضحايا تلك الكارثة المؤلمة ممن أزهقوا أرواحهم وحرموا أحبابهم، وللوطن ممن سلبوا أمواله وخانوا أمانته، هي عدالة الضمير الحي للقانون التي يجب أن تبقى سيفا مصلتا على رقاب المجرمين المتنصلين من المسؤولية والهاربين من العدالة الذين انقادوا لشيطان جشعهم فلم تعد الحياة تعني لهم غير المال وجمع الثروات حتى ولو كان ثمن ذلك أرواح البشر!. ومن رخصت عنده الأرواح ترخص عنده الأوطان والقيم والمبادئ و الأخلاق، فلا نرتجي من أسرى الجشع وعبيد المال توبة ولا ندما، بل نرتجي عدالة صادقة لا يفلت منها «كائنا من كان»، ولن تخذلنا عدالة السماء يوم لا ينفع مال ولا بنون عند من لا يظلم عنده أحد!. أما اللافت في منطوق حكم القضية فهو ملاحظة المحكمة بأن الادعاء حقق مع المرتشين وترك الراشين.