في يوم الجمعة 14 جمادى الآخرة 1431 ه الموافق 28 مايو 2010 م، طالعتنا الصفحة الأولى من صحيفة المدينة، العدد 17201، بعنوان رئيسي لخبر يسر القلوب ويشرح الصدور. يسر قلوب الشرفاء من المواطنين، ويشرح صدور الأبرياء من المتضررين نتيجة الفساد الشرس لبعض من خانوا الأمانة وسقطوا في امتحان الثقة، ثقة ولي الأمر وثقة المواطنين، وخالفوا تعاليم دينهم الحنيف، وغشونا فأصبحوا ليس منا. يقول عنوان الخبر «التحقيقات في كارثة جدة تبدأ غدا .. بمراجعة أرصدة المتهمين وصكوك إرثهم وحسابات شركاتهم. رصد مظاهر ثراء مفاجئ على بعض المتورطين». وفي داخل الصحيفة، على الصفحة الرابعة، يقول عنوان الخبر أيضا «كشف أرصدة المتورطين في كارثة جدة وأقاربهم. التحقيق يطال عدداً من الاستشاريين والمهندسين المشرفين على مشاريع متعثرة» . ثم هناك خبر آخر على نفس الصفحة يقول «مصدر قضائي: سحب الجنسية من المتجنسين في حالة الإدانة». ما أن قرأت هذا الخبر إلا وقلت في نفسي أطال الله في عمرك يا عبد الله بن عبد العزيز، نصير الشعب وناصر العدالة ومحق الحق. بارك الله فيك وأمدك بسلطان من عنده. صحيح، لا يصح إلا الصحيح. وتذكرت في نفس الوقت ذلك الأمر الملكي الذي أصدره الملك سعود طيب الله ثراه، برقم (16) وبتاريخ 7/3/1382 ه (أي قبل قرابة نصف قرن)، وهو المشهور بنظام «من أين لك هذا» . في ذلك الأمر رسم الملك بمحاسبة موظفي الدولة على مصادر ثرواتهم وثروات أولادهم القصر أو البالغين، وثروات زوجاتهم. فإذا عجز عن إثبات مصدر شرعي لما يملكه هو أومن ذكروا في الأمر الملكي، مما يثير الشك في أن اكتساب هذه الأموال كان بطريقة الرشوة أو الهدايا أو الاستغلال للنفوذ الوظيفي، فإن على مجلس الوزراء أن يصادر نصف تلك الأموال المشكوك في مصدرها وأن يحكم عليه بالعزل من وظيفته بالحكم، ولا تحول نصوص ذلك النظام دون المساءلة الجنائية إذا توفرت شروطها. وكان ذلك نظاما رائعا على بساطته، تعبيراته وكلماته مباشرة وقوية، تجعل المرتشين والفاسدين يفكرون مائة مرة قبل الإقدام على جرائم الغش والخداع والتلاعب بمصائر العباد والسطو على المال العام، فقد كان كالسيف المسلط على أعناق الفاسدين. صدر ذلك في عام 1382 ه، ولو طبق ذلك النظام الجميل في بضع حالات سابقة فقط، لاختلف حالنا اليوم كثيرا. ثم جاءت هذه القرارات الحاسمة التي نشرتها صحيفة المدينة، لتضيء بارقة الأمل من جديد أمام الشرفاء من المواطنين، وتثير الرعب والحذر في قلوب من يحاول التلاعب أو يفكر في ارتكاب جرائم التدليس والفساد والرشوة، والكسب غير المشروع. لا يجب أن نستبق الأحداث، ونتخيل أمورا قد تكون مجانبة للصواب، ونظلم أبرياء. ولكننا لن نأسف على حال من تثبت عليه التهم وارتكابه لتلك الجرائم البشعة في حق المواطن والوطن، وفي حق ولي الأمر الذي وضع فيه ثقته وأولاه أمور المواطنين. لن نأسف عليهم مهما أصابهم من أحكام، بل وسوف نطالب برد حقوق المتضررين. وربما تكون إحدى تلك الطرق هي مصادرة أموال هؤلاء الذين خانوا الأمانة، واستخدام تلك الأموال المصادرة في إصلاح الأخطاء التي تسببوا فيها. بل يحق لنا أيضا أن نطالب بنشر أسمائهم وصورهم على الملأ، إن ثبت عليهم ذلك الجرم. فهم لا يستحقون أن نستر عليهم وقد خانوا وطنهم ومواطنيهم ومن وثق بهم، وباعوا أهم المبادئ التي ينص عليها الدين والعرف. هؤلاء لا يستحقون أن نسترهم وهم لم يتورعوا عن تعريض أنفسهم للعيب وسوء السمعة وتلطخ الاسم. كيف نحمي سمعتهم وصورتهم واسمهم، وهم الذين ضحوا بها أساسا مقابل حفنة من الريالات؟ هؤلاء، إن ثبت جرمهم، هم من غشنا، وهم ليسوا منا. ليس العقاب لمجرد العقاب وعلى مستوى شخصي، وإنما هو أيضا للعبرة، لكي يعتبر من لديه ضمير وبصيرة. ثم يبقى بعد ذلك أن نتخذ ما يجب من دراسات واحتياطات علمية وعلى أرضية الواقع، لكي لا يتكرر ما حدث، وتذهب أرواح بريئة مرة أخرى ضحية الإهمال والغش. يبقى أن نشمر عن سواعد الجد، وننجز ما يجب من دراسات للحلول المطلوبة في أسرع وقت ممكن، وننفذها بكل ضمير وعقل مفتوح. لا نريد أن نرى تلك المناظر المخيفة المذهلة التي اقشعرت لها النفوس، في بلد أكبر اقتصاد في المنطقة العربية، الذي يفخر الآن بأكبر عدد من الجامعات، وأكبر ميزانية عامة على مستوى العالم العربي والشرق الأوسط، وأكبر عدد من حملة الشهادات العليا، وأكبر عدد من التكنوقراطيين في أجهزته الحكومية، وهؤلاء هم ربما لب المشكلة. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 129 مسافة ثم الرسالة