نجاح ثورة الخميني 1979 ، كان من ضمن أسباب انتشار ظاهرة التيار الديني/السياسي الذي كان متمثلاً في الإخوان المسلمين قبل 25 يناير 2011 ثم أصبح متمثلاً في الإخوان وفي السلفيين أيضاً وفي حزب "النور" -1- بدأ التيار الديني/ السياسي – كما هو معروف – متمثلاً في جماعة الإخوان المسلمين كحركة دينية كشفية، هدفها اجتماعي في الدرجة الأولى والأخيرة. وفي عام 1957، عندما حلَّ الراحل الملك حسين كافة الأحزاب السياسية الأردنية، لم يقترب من "جماعة الإخوان المسلمين" باعتبارها تنظيماً اجتماعياً، وليست حزباً سياسياً. وظلت "جماعة الإخوان المسلمين"، تمارس العمل السياسي وحدها، على الساحة الأردنية، منذ ذلك التاريخ حتى عام 1989. ومارست أثناء ذلك كل النشاطات السياسية الأردنية المتاحة في تلك الفترة. -2- أما "جماعة الإخوان المسلمين" في مصر، فقد نشأت عام 1928 كرد على إلغاء كمال أتاتورك الخلافة الإسلامية في إسطنبول 1924. ورغم تخفّيها تحت شعار ونشاط الكشافة، إلا أنها كانت وراء "دعوة الخلافة الإسلامية" للملك فؤاد، ومن بعده للملك فاروق. وأسهم الجامع الأزهر ورجاله في ذلك. واشتهر شيخ الأزهر (مصطفى المراغي) في تلك الفترة، في هذا الأمر. ولكن لظروف سياسية إقليمية ودولية، لم ينجح أحد في إقامة "الخلافة الإسلامية" من جديد. ولكن "جماعة الإخوان المسلمين" بقيادة الشيخ حسن البنا، لم يتراجعوا عن اقتناص أية فرصة للوصول إلى الحكم. فقام الشيخ حسن البنا، بترشيح نفسه للانتخابات النيابية المصرية عام 1942، إلا أن رئيس الوزراء المصري (النحاس باشا) أقنعه بالتخلّي عن هذا، مقابل السماح بفتح فروع ومكاتب لجماعة الإخوان المسلمين، في كافة المحافظات المصرية. -3- إلا أن "الجماعة" لم تكف عن محاولات الوصول للسلطة. فكان الصدام شديداً بينها وبين عبدالناصر منذ 1956، ثم بينها وبين السادات. وفي عام 1984 حاولت "الجماعة" خوض الانتخابات النيابية بالتحالف مع "حزب الوفد" العلماني. ولكن "حزب الوفد"، كان هو المستفيد من هذا التحالف. وجنى فوائد كثيرة من "الهبّة" الدينية. وكسب عدة مواقع سياسية لركوبه موجة "التيار الديني" الطاغي في مصر، ذات الشعب المتديّن تديناً شعبياً فطرياً واسعاً. ولكن "الإخوان" تعلموا درساً بليغاً من هذه الانتخابات. ولذا، كانت نتائجهم أفضل في انتخابات عام 1987، وبتحالفهم مع حزب "العمل الاشتراكي"، وكذلك مع الحزب "الاشتراكي الليبرالي". فحصلوا على عشرين مقعداً من مقاعد التحالف الستين. -4- وظل "الإخوان" في مصر يصارعون السلطة، إلى أن قامت ثورة 25 يناير 2011 ، فانتقموا من ثورة 1952 انتقاماً عنيفاً. وها هم الآن يرأسون مجلسي الشعب والشورى. -5- يتساءل الكاتب الأوكراني أ.أ.إجناتنكو في كتابه (خلفاء بلا خلافة: التنظيمات الدينية السياسية المعارضة في الشرق الأوسط) عن سبب بروز التنظيمات الدينية/السياسية في الشرق الأوسط، على هذا النحو الذي كان في نهاية القرن العشرين، وبداية هذا القرن. فيقول، إن هناك أجوبة مختلفة عن هذا السؤال منها: 1- الصدمة الكبيرة التي أحدثتها هزيمة 1967، والتي أفقدت أمل الجماهير في الخطاب الليبرالي، وبحثت عن النجاة والنصر في الخطاب الديني/السياسي، باعتباره "الملجأ الروحي" الوحيد، الذي كان على الساحة، كما قال عالم الاجتماع المصري سعد الدين إبراهيم. 2- لا شك أن نجاح ثورة الخميني 1979، كان من ضمن أسباب انتشار ظاهرة التيار الديني/السياسي الذي كان متمثلاً في الإخوان المسلمين قبل 25 يناير 2011 ثم أصبح متمثلاً في الإخوان وفي السلفيين أيضاً وفي حزب "النور"، الذي طفا على السطح بقوة في انتخابات 2011 التشريعية المصرية. وكان هذا كله نتيجة للظروف الاقتصادية والاجتماعية لكثير من البلدان العربية، وكذلك إيران. 3- لا شك أن انخراط الشارع العربي السريع بالعملية السياسية، بعد 25 يناير 2011، مقارنة مع معدلات النمو الاجتماعي والاقتصادي، كان له الأثر الكبير في انتشار ظاهرة التيار الديني/السياسي، في كل من تونس، والمغرب، ومصر، والعراق، وهو يعمل بنشاط ملحوظ في سوريا، وليبيا، والأردن الآن. 4- إن ما قامت به أميركا في العراق وأفغانستان، اعتُبر "حملات صليبية" ضد الإسلام، كما زعم الإخوان المسلمون، وكافة الأصوليين والسلفيين المتشددين. وهذه الحملات شحنت الشارع العربي بالكراهية، والعداء للغرب، ولأميركا خاصة، واعتُبرت بمثابة "الاستعمار الجديد". 5- كان لسوء الأوضاع المعيشية وزيادة نسبة الفقراء فقراً يصل إلى حد الموت نتيجة لأنظمة التعليم التقليدية، التي لا تُخرِّج ما يحتاجه سوق العمل العربي، مما يزيد في نسبة البطالة في العالم العربي بشكل كبير، والاعتماد في الدول الغنية على الاقتصاد الريعي، وليس الاقتصاد المُنتِج والمُستوعب لأكبر عدد من الأيدي العاملة.. كل هذا، أدى إلى رفع شعارات دينية/سياسية مختلفة من قبل التيار الديني/السياسي، يدّعي فيه هذا التيار، أن لديه الحلول الناجعة، لكل هذه المشاكل العالقة، وعلى رأسها المشكلة الاقتصادية. ولا شك أن ممارسة التيار الديني/السياسي الآن للسلطة، في كل من تونس ومصر، سوف يضعه على المحك الواقعي، ويختبر قدراته السياسية في حل المشاكل المستعصية. وفي هذه الحال، فالليبراليون في العالم العربي، سوف يتعرضون لصدمة قوية، وهزيمة كبيرة. أما العقلاء منهم، فسوف يسعدون لنجاح التيار الديني/السياسي في الحكم. فالمهم في نهاية المطاف – للعقلاء فقط – مصلحة الوطن والمواطنين، بغض النظر من أين جاءت هذه المصلحة. 6-وأخيراً، إن موقف الغرب وأميركا من القضية الفلسطينية، ومن عذاب الشعب الفلسطيني في المخيمات، مدة تزيد على ستين عاماً حتى الآن، أقنع الشارع العربي "قناعة تامة"، بأن موقف التيار الديني/السياسي من السياسة الغربية بشكل عام، موقف صحيح وسليم، وواجب دعمه. ولكن لنعلم جيداً، أن الليبراليين في العالم العربي، يرون أن الغرب آثم كل الإثم في هذا المقام، ولكنهم لا يرون أن الإرهاب والمقاومة المسلحة، هي الحل الأمثل لهذه القضية، كما يرى التيار الديني/ السياسي. وإنما ينادي الليبراليون بالتفاوض والحل السياسي، الذي أصبحت إسرائيل ترفضه الآن، أكثر من أي وقت مضى. وبذا لم يصبح أمام "الحق الشرعي" غير المقاومة وغير الكفاح المسلح. وكأن إسرائيل بهذا، تدفع التيار الديني/السياسي إلى هذا الحل الانتحاري، غير المجدي، برأي كثير من الليبراليين.