جاءت نتائج الانتخابات التي شهدتها بلدان "الربيع العربي" لتصب في مصلحة صعود نجم الجماعات والأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية بما يعكس هيمنة الإسلام السياسي على العالم الجديد الذي شكلته ثورات الربيع العربي. فجماعة الإخوان المسلمين في مصر التي طالما منعت من ممارسة العمل السياسي تتقدم بقوة نحو حصد أغلبية مقاعد مجلس الشعب في أول انتخابات تجرى بعد ثورة 25 يناير، فيما أسفرت الانتخابات في تونس عن فوز حزب النهضة الإسلامي بنصيب الأسد في أول انتخابات تجرى في تلك البلد التي تعد نقطة انطلاق الثورات العربية، كما انتخب المغاربة رئيس الوزراء عبد الإله بنكيران المنتمي للإسلام السياسي. تقدم الإسلاميين في ظل الربيع العربي قسم المحللين السياسيين ما بين فريق يؤمن بضرورة احترام إرادة الشارع العربي من منطلق أن نجاح الإسلاميين في تلك البلدان يعكس الحراك الثقافي والاقتصادي والاجتماعي بها، وبين فريق آخر راح يثير علامات القلق والخوف من صعود الإسلاميين إلى دفة الحكم. محددات رئيسية من جهته، يرى الخبير السياسي في شؤون الجماعات الإسلامية الدكتور عبدالرحيم علي أن "أنظمة الحكم التي سادت في فترة الثمانينات سواء في مصر من خلال رئاسة حسني مبارك أو في تونس من خلال زين العابدين بن علي، كانت ترى في الحركات الإسلامية عدواً لها، وهو ما دفعها لمواجهتها أمنياً بدلاً من مواجهتها فكرياً أو سياسياً، وهو ما أدى إلى تعاطف الشعوب مع تلك التيارات، وفي نفس الوقت ارتضت النخبة لعب دور (إراحة الدماغ) من المواجهة الفكرية ورأت في المواجهة الأمنية التي تمارسها السلطة وسيلة لتجنب الصدام الفكري أو السياسي، وهو نفس الدور الذي ارتضته المعارضة كما هو الحال في مصر، وهو ما جعل أحزاب تاريخية مثل الوفد والتجمع تعجز عن تحقيق نتائج تذكر". ويضيف "هناك 3 محددات رئيسية تحكم عمل الحركات الإسلامية، أولها إقامة دولة إسلامية تعمل في الشارع، وثانيها تطبيق الشريعة الإسلامية داخل تلك الدولة مع تغير مفهوم تطبيق الشريعة من حركة إسلامية إلى غيرها من باقي الحركات، وثالثها السعي إلى إنشاء الخلافة الإسلامية، والاختلاف يكون بنسب أقل، حيث تمثل تلك المحددات نحو 90% من تركيبة الحركات الإسلامية في مصر، وتبقى النسبة القليلة الباقية من نصيب أحزاب أخرى ذات مرجعية إسلامية مثل حزب الوسط أو من خلال أفكار تحكم شخصيات ذات ثقل إسلامي مثل الدكتور محمد سليم العوا بمصر أو راشد الغنوشي في تونس، وهو ما يفسر كتابة العوا لمقدمة كتاب الغنوشي الذي أصدره تحت عنوان (الحريات العامة في الإسلام)، وكلاهما يؤمن بأن الخلافة الإسلامية نشأت في مواجهة الإمبراطوريات التي كانت سائدة آنذاك، وبانتهاء عصر الإمبراطوريات يبقى البديل متمثلاً في إقامة اتحاد للجمهوريات الإسلامية على غرار الاتحاد الأوروبي". وفيما يتعلق بصعود الإسلاميين في المغرب يرى عبدالرحيم أن "الفارق في التجربة المغربية يبقى متمثلاً في فكرة الملكية الموجودة هناك، وليس الجمهورية كما هو الحال في مصر وتونس، فالعاهل المغربي الملك محمد السادس امتلك من الذكاء ما مكنه من تجنيب بلاده خطر امتداد ثورات الربيع العربي إلى بلاده، وذلك من خلال دعوته لإجراء انتخابات حرة وتكليف زعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي (الإخواني) عبدالإله بنكيران بتشكيل الحكومة، بحيث يكون للملك نصف الصلاحيات وتكون للحكومة والبرلمان نصف الصلاحيات، وهو ما جعله يحقق في المغرب ما لم تحققه الثورات، حتى الآن، في بلدان الربيع العربي". اغتنام الفرصة ويرى الكاتب الصحفي عبدالقادر شهيب أن "الإسلاميين ظفروا بالفرصة التي سنحت لهم ونجحوا في استيعاب رغبة الناخب في البحث عن تجربة جديدة، وبالتالي ذهبوا إلى العشوائيات والكفور ورسموا لأنفسهم صورة تتعلق بكونهم هم الذين حموا امتحانات الثانوية العامة التي جرت في غياب الأمن، وأنهم هم الذين وفروا أنابيب البوتاجاز لسكان المناطق الفقيرة قبل عيد الأضحى ب 10 جنيهات في وقت ارتفع فيه سعر أنبوبة البوتاجاز لأكثر من 30 جنيهاً". ويضيف شهيب، في حديثه إلى "الوطن"، أن "تواجد الإخوان في الحكم لن يؤدي إلى إقصاء الليبراليين كما يعتقد البعض، حيث إن البرنامج الاقتصادي الذي يتبناه حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، باستثناء ما يتعلق بالبنوك والسياحة، هو في جوهره برنامج ليبرالي مما يشجع على خلق مساحات التقاء بين التيارين الإخواني والليبرالي وتحديداً في التوجهات الاقتصادية لكلا الفصيلين". لكن شهيب يرى، في الوقت ذاته، أن "هناك مخاوف حقيقية تسيطر على قطاعات عديدة في المجتمع المصري من وصول الإخوان للحكم فهناك خوف على الحريات وممارستها وخوف من استخدام سلاح التكفير والتخوين وخوف على الثقافة والفن وصناعة السياحة وخوف على المرأة وحقوقها وخوف من الأقباط على مصيرهم في مجتمع لا يؤمن بالمواطنة بل خوف على استقلال مصر إذا ما ترجم الإخوان بعض أفكارهم حول عودة الخلافة والتضحية بالوطن لصالح ما هو أممي إسلامي إلى سياسات مطبقة على أرض الواقع. خاصة بعد رفض الإخوان للنموذج التركي". وهو ما يرفضه المتحدث باسم حزب النور، محمد نور مشيراً إلى أن "المساس بأي شعرة من أي مسيحي يتناقض مع برنامج حزب النور، مصر بلد إسلامي وتطبق فيها الشريعة الإسلامية منذ 1300 سنة، والأقباط مصريون اعتنقوا المسيحية قبل دخول الإسلام إليها واستطاعوا دوماً أن يعيشوا فيها سعداء". حرية وحقوق وعلى النقيض من ذلك، يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي طلعت رميح، أن "الإسلاميين، وتحديداً الإخوان، اكتسبوا خبرة كبيرة في مجال العمل السياسي، وهي خبرة تعود إلى منتصف الثمانينات عندما دخلوا في تحالفات سياسية مع حزبي الوفد والعمل". ويضيف رميح، في حديثه إلى "الوطن" أن "وسائل الإعلام حاولت جعل وجه السلفيين مخيفاً" مؤكدا أن "هناك حملة لصناعة خصم داخل المجتمع، وأن الإعلام يستدرج بعض قيادات التيارات الإسلامية للحديث عن قضايا فرعية لتخويف الناس من أفكارهم، دون أن تتم مناقشتهم في القضايا الرئيسية، فعندما قال القيادي السلفي عبدالمنعم الشحات رأيه في أدب نجيب محفوظ ووصفه بأنه أدب الدعارات والحشيش فهذا حقه، وطالما أن الناس أعطت صوتها للشحات في الانتخابات البرلمانية فلا يجب أن نلوم الناس على اختيارهم، لأن هذه هي الحرية والديموقراطية". العبرة بالنجاح ويرى الدكتور ضياء رشوان، مدير مركز الأهرام للدراسات في تصريحه إلى "الوطن"، أن "لدينا 56 دولة مسلمة في منظمة التعاون الإسلامي، وإذا نظرنا إلى الدول التي نجح فيها التيار الإسلامي في الوصول إلى البرلمان فلن تجد تشدداً إسلامياً، باستثناء دولة أو دولتين، وهو ما يمكن رصده في تعديل الإسلاميين لخطابهم في دول مثل المغرب والجزائر وتركيا". ويرجع رشوان ذلك إلى أن "الملفات الكثيرة التي يواجهها الإسلاميون عند وصولهم إلى الحكم تحول تشددهم خارج الحكم إلى صيغة أكثر تواضعاً وتوافقاً مع الواقع داخل الحكم، وأنا هنا أتحدث عن دول وصل الإسلاميون للحكم إليها عن طريق ديموقراطي، وليس عن طريق انقلاب كما حدث في السودان، والحالة الإسلامية في مصر وسطية، وهناك تيارات شبابية داخل الإخوان المسلمين تتحرك وفقاً لقناعاتها، وهو ما يمكن رصده في التيار المصري الذي يضم مجموعة من أنبل شباب الإخوان ممن وجدوا أن جماعة الإخوان بصورتها الحالية لا تتفق مع صيغة توجهاتهم، فراحوا يعبرون عن قناعاتهم من خلال التيار المصري". ويقول رشوان إن "هناك مخاوف مشروعة ومخاوف غير مشروعة من صعود الإسلاميين في مصر، فالتيار الإسلامي جزء أصيل من الأمة المصرية وهو أكثر تواجداً في الشارع وله مصداقية أكبر، وقد وصل إلى النجاح عبر صناديق الاقتراع، ومن ثم يجب أن نقبل بتفوقه ويجب أن يحتفي المصريون بالنجاح غير المسبوق لأول انتخابات حرة ونزيهة في مصر منذ أمد طويل". ويضيف رشوان "بدون الإسلام، لن يكون لدينا تقدم حقيقي، فعندما شيدت الدول الغربية تقدمها الخاص بها، فإنهم لم يتخلوا عن تاريخهم المعرفي والثقافي، فاليابان ما زالت تعيش في ثقافة الساموراي ولكن بنهج حديث، والصينيون ما زالوا يعيشون التقاليد التي أوجدتها الكونفوشيوسية، ومن ثم فلماذا نتخلى عن تاريخنا؟". تكتيك مغاير ويرى الكاتب الصحفي صلاح عيسى أنه "من الصعب الآن التكهن بالآثار التي ستترتب على ذلك"، مشيراً إلى أن "البشائر لا تدعو للتفاؤل، فالإسلاميون غلب عليهم نوع من الإحساس بالقوة والتفوق، وأعتقد أن الإخوان المسلمين غيروا من تكتيكهم خلال الأشهر الماضية من المشاركة إلى المغالبة، خاصة بعد ظهور نتائج المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية. وهو تكتيك كان سيختلف لو أنهم حصلوا على عدد أقل من الأصوات، وأتوقع اصطباغ الدستور الجديد بالصبغة الدينية، لأنه ظهر جليا في مناقشات الإسلاميين مع الدكتور علي السلمي حول وثيقة المبادئ الدستورية، وفي صياغة المادة الثانية التي كان نصها (مصر دولة مدنية ذات مرجعية دينية)، وكان رأي الإخوان أنه لا مانع لدينا إذا وافقت جماعة السلفيين فاعترض السلفيون، وبالفعل تم تغييرها إلى دولة ديموقراطية". صعود واضح ويؤكد المدير السابق لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور جمال عبدالجواد أن "الصعود الكبير للتيار الإسلامي كان يحدث أمام الجميع بالتدريج، لكن كان هناك إخفاق من القوى السياسية والجماعات المثقفة في ملاحقة هذا الصعود واستخدام الأساليب المناسبة للتعامل مع صعودهم". وأضاف عبدالجواد أن "جميع الدراسات واستطلاعات الرأي كانت تؤكد صعود التيار الديني، والانتخابات تمت بشكل ديموقراطي، والتيار الديني أصيل يضم مواطنين حريصين على مصلحة البلد، ونجاحهم في البرلمان اختبار لهم، وسنرى إن كانوا سيلتزمون بالمعايير الديموقراطية الحقيقية أم لا، لأن المجتمع سيواجه حقيقته دون ترتيب مفتعل أو حماية من تيار ديني معين". وأشار عبد الجواد إلى أن "انتخاب رئيس الجمهورية أمر مختلف عن مجلس الشعب وبه منطق مختلف، لأن قدرة التيارات الدينية على تحقيق الأصوات نفسها على مرشح رئاسي إسلامي أقل من انتخابات الشعب، لأن المصريين يميزون بين رئيس الجمهورية وإمام المسلمين، متوقعاً ألا تعطي الناس أصواتها لمرشح ديني أو حزبي، لأن الرئيس القادم لا بد أن يكون مستقلاً عنها". الإخوان المسلمون وتعد جماعة الإخوان -التي يرى المراقبون أنها أحد أهم المستفيدين من ثورات الربيع العربي-أقدم حركة إسلامية سنية وتقدم نفسها على أنها "جماعة إصلاحية شاملة تفهم الإسلام فهما شاملاً وتتمحور عقيدتها حول التوحيد ودمج الدين بالدولة". وقد تأسست الجماعة على يد مرشدها الأول حسن البنا عام 1928 وتم حظرها رسميا عام 1954، وتعرض الكثير من أعضائها للاعتقال من وقت إلى آخر أثناء حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وشغل الإخوان المسلمون 88 مقعداً في مجلس الشعب في الانتخابات النيابية التي جرت عام 2005، وفازوا بها رسمياً كمرشحين مستقلين، وقرروا مقاطعة الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية التي جرت في ديسمبر 2010 منددين بعمليات تزوير كثيفة وأعمال العنف لمصلحة الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم آنذاك. وكانت هذه الانتخابات من أكبر أسباب اندلاع ثورة 25 يناير التي أطاحت بمبارك وبحزبه الوطني. ويشير المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين محمود غزلان إلى أن "مخاوف الليبراليين من صعود نجم الإخوان موهومة ولا صلة لها بالحقيقة". ويضيف "نعيش الإسلام الوسطي المعتدل ولا نفرض شيئا بالقوة، إذا كان لدينا توجهات معينة فإننا نسعى لها بالإرشاد والإقناع، والتغيير الذي نسعى إليه سيتم تدريجيا في كل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية". ودعا غزلان إلى "التمييز بين التيارات الإسلامية وعدم اعتبار التيارات الإسلامية فصيلاً واحدا"، مضيفاً "الشعب اختار من يمثل هويته الإسلامية ومن يثق بهم، الإخوان نشؤوا وعاشوا مع الشعب ويحسون بآلامه، الشعب يحب من يخدمه ويكره من يتعالى عليه".