« أطالب الروائيات السعوديات بالتمسك بأهداب ما تبقى من حياء»، هكذا تؤنبهن الفنانة التشكيلية الكويتية ثريا البقصمي بعد أن وصفت كتاباتهن بالوقحة والمقزّزة والخالية من الأدبية، كونهن يعتمدن على الابتذال وخدش حياء الآخرين في رواياتهن. جاء تصريح البقصمي في حوار أجرته معها (الجزيرة) أون لاين خلال زيارتها لمعرض تشكيلي في مركز الأمير سلمان بن عبد العزيز بالرياض. - «الكاتبات السعوديات كن يكتبن على استحياء قبل أن يتجاوزن ذلك الحاجز للكتابة بشكل مخز وفاضح.. أنا انتقدت الكتابة السعودية النسائية الأخيرة المليئة بالجنس العجيب والمخجل»، هكذا تنهرهن الكاتبة الكويتية ليلى العثمان وهي تعبّر عن أسفها للكثافة غير المبررة لثيمة الجنس في الرواية النسائية السعودية الجديدة. وجاءت انتقادات العثمان خلال استضافتها في إثنينية عبد المقصود خوجة بجدة بغرض تكريمها. هذه الانتقادات الهجومية لاقت صداها وردود أفعالها في نهاية أبريل الماضي، وتصدت لها كاتبات سعوديات بقوة معترضات ومدافعات حتى تراجعت البقصمي عن تعميمها وبيّنت أن الصحيفة (صاغت تصريحها ونقلته بشكل خاطئ»، فهي لم تتهم جميع الكاتبات ولم تقصد الإساءة إليهن ككل. وجاء تراجع ليلى العثمان مشابهاً في نفي التعميم بتخصيص جديد: «إن معظم الروايات النسائية السعودية التي تكتب بأسماء مستعارة أو أسماء رجال هي روايات أخجل من قراءتها، لما فيها من أدب مكشوف». التراجع إذاً لم يأخذ شكل الاعتذار على التطفّل الفج والانتقاص من شأن الكتابات النسائية السعودية، وإنما برر الهجوم بتحديد أشخاص يستحقونه. وسواء تراجعت البقصمي والعثمان أم لم تتراجعا، فالظاهرة مثيرة للتأمل، والغرض هنا هو ليس الدفاع عن الرواية السعودية أو تنزيه الكاتبات السعوديات ونفي التهم عنهن، بل هو التوقف عند التجرؤ في إصدار حكم ضد الكاتبات السعوديات والتبجح في انتقادهن وعلى أرضهن من نساء كويتيات. وأنا أقول جرأة وتبجح لأن حكماً كهذا لا يمكن أن يصدر عن ذات هاتين الشخصتين ضد كاتبات من أي بلد عربي آخر، وهذا ما تكشف لنا من لقاء ليلى العثمان في برنامج (مثير للجدل) الذي يعرض على تلفزيون أبو ظبي، حيث لم تتردد في الإشارة إلى السعوديات اللواتي كتبن عن الجنس، ولكن حين سألتها المذيعة عن بعض الكاتبات العربيات، قالت: نعم هناك بعض الكاتبات. فطلبت منها المذيعة أن تذكر بعض الأسماء؛ حينها رفعت الكاتبة ليلى العثمان يديها الاثنتين وقالت: (لا لا لا ما أبي أزعلهم لأنهم صديقاتي)!!! (انظر أميرة القحطاني: ليلى العثمان وفوبيا الجنس/ الثقافية، العدد 315 . هل نستشف هنا أن البعد الجسدي حاضر في النتاج الروائي النسوي في البلاد العربية الأخرى؟ طبعاً، ولنا أن نستعرض روايات أحلام المستغانمي وهيفاء البيطار وعلوية صبح، وعلى رأس القائمة ليلى العثمان!! نعم ليلى العثمان نفسها. سأكتفي باقتباس من دراسة عن ليلى العثمان بعنوان «امرأة بلا قيود»، نال بها الباحث محمد صفوري درجة الماجستير في الأدب العربي من جامعة حيفاhttp://www.nabih-alkasem.com/safuri1.htm « وتناولت ليلى العثمان قضايا الجنس في قصصها بجرأة في وصفها للمشاهد الجنسية وفي المفردات والتعابير التي استعملتها مما أثار عليها حفيظةَ رجال الدين والمتزمّتين. وكشَفت عمّا يتستّر عليه الجميعُ ومُنتَشر في المجتمع الكويتي مثل الدّعارة وغشيان المحارم وممارسات الأقارب وقضيّة العَجز والعُقم الجنسيين وموضوع الاغتصاب والجنس المثلى من لِواط وسحاق ص129 . عجيب!! لماذا إذاً تحرّم على غيرها ما استحلته لنفسها؟ سترد علينا قائلة: «كتبي ليس فيها هذا الإصرار على الجنس، وليس فيها أي استخدام للجنس ما عدا رواية العصص، فهي الوحيدة التي فيها مشهد واحد للجنس، وكان للضرورة وليس لإقحام الجنس». هي تعرف الكيفية والمقدار المطلوب لتوظيف الجنس بشكل صحيح، بينما الساذجات الطارئات على الكتابة الأدبية يجهلن تلك المعادلات العميقة، فيقعن ضحايا « لدور النشر التي تتسابق على استقطابهن واستغلال طموحهن لقفزات غير محسوبة». إذاً الروايات العربية النسائية تخوض فيما تخوض فيه الروايات السعودية النسائية، فما بال الروايات العربية الرجالية؟ هل تبتعد عن الخوض في أمور الجنس تعففاً وتنزهاً؟ بالطبع لا! نستطيع أن نتتبع اشتغال الروايات العربية بهذا الموضوع في روايات لكتاب عرب مثل نجيب محفوظ وحيدر حيدر وحنا مينة ورشيد بوجدرة وخالد خليفة وأمين الزاوي، بل إن تراثنا العربي ملئ بالأمثلة التي تدلّل على طرق ثيمة الجنس في الأدب بأشكال مختلفة، ولنا في ألف ليلة وليلة ألف وحدها ألف إثبات وإثبات. سؤال أخير: هل هناك روايات سعودية لكتّاب سعوديين توظّف ثيمة الجنس بشكل قد يعتبره البعض فاضحاً؟ بالطبع نعم.. بل يتم التناول عند الكتاب من الرجال بكثير من التفاصيل والجرأة والإصرار. موجة الأدب الروائي الجنسي لم تتوقف عن المد والجزر في كل العصور وعند كل الشعوب، وهناك كتاب عالميون مثل ماركيز وكوهيليو لديهم أعمال تتمحور حول الجنس. خلاصة القول، الكتابة عن العلاقات الجسدية ليست ظاهرة حديثة، ولا هي عربية، وليست سعودية، كما أنها بالتأكيد ليست خاصة بالكاتبات السعوديات. إذاً ما سر هذا الهجوم على (بعض) الكاتبات السعوديات في (بعض) رواياتهن؟ هل تستحق أولئك البعض كل هذا الضجيج في حين يتم تجاهل تبعيض غيرهن في أصقاع الأرض وأبعاد الزمان؟ في الحالتين جاءنا الهجوم ونحن نقوم بالضيافة والتكريم في موطننا، فمن أي موقع انطلق ذلك الهجوم ضد كاتباتنا إن لم يكن من موقع أعلى إلى آخر أدنى؟ هل هي الاستهانة بنا التي تسمح بالتطاول علينا؟ هل هو الاستخفاف بقدراتنا واستكثار النجاح علينا؟ ألا يكون هناك شيء من الرغبة في تعطيل الركب الذي يحتفي بمنجزات الرواية السعودية المعاصرة؟ هل هي الغيرة من بروز أسماء جديدة على الساحة الثقافية العربية بإمكانها أن تسرق دوائر الضوء وتحقق جماهيريات عريضة وأن تنال جوائز كبرى مرات ومرات؟ كما أوضحت سابقاً، أنا لست بصدد الدفاع عن حرية الكاتب في توظيف ما شاء من الثيمات التي تخدم أغراضه الروائية، كما أنني لن أقف في وجه الاتهامات المجحفة بحق الروائيات السعوديات بالتخصيص لأصدها أو أدحضها، لكنني أتأمل كيف يمكن أن يأتي يوم نكون فيه ضيوفاً مكرمين في أي بلد عربي، ثم نتطاول بلا أدنى لياقة لتوجيه الانتقادات المنتقصة من منجز ذلك البلد. كما أنني أتأمل كيف يتحرك الوعي النسائي ليقمع بسلطة ذكورية فاضحة وعياً نسائياً آخر. البقصمي والعثمان تريدان أن تكف الكاتبات السعوديات عن طرق مواضيع مكشوفة، كلاهما تعانيان من الخجل والتقزّز والانزعاج، فقط حين يقرأن للكاتبات السعوديات، لكنهما لا تحركان ساكناً حين يكون الكاتب رجلاً..!! فقط حين تتجرأ الكاتبات السعوديات تصرخان في وجوههن: عيب يا بنات!