في كثافةٍ نوعية متميّزة يقدّم لنا الزميل الإعلامي الكبير أ. داوود الشريان حلقات متعددة من نفض الطاولة الوطنية وهمومها في الجانب التنموي، ونجح البرنامج بالفعل في اجتذاب جانب من الاهتمام الشعبي والقلق الوطني لمستقبل إنسان هذا الوطن. وكان من اواخر الحلقات مواجهة المسؤول الاول في الوزارة وهنا كانت وزارة الصحة و د. الربيعة بطرح متتابع لمآسي الملف الطبي للمواطن وهي قضايا تعرّضنا لها وعدد من الزملاء الكُتاب، والمهم ان خلاصة حلقة الوزير سيحكم عليها الناس، وهل نجح معاليه في الاستجواب الإعلامي أم لا؟ من خلال قدرته على التصحيح التنفيذي لتلك الملفات ام سيبقى الوضع عالقًا على ما يُعايشه المواطن من وزارة الصحة ذات السجل الكئيب تاريخيًّا، وللإنصاف حتى قبل تولي معاليه الوزارة، لكن تتابع الأزمات عزّز الإحباط ولنا مع الوزير تجربة ليست سعيدة في الأحساء. لكن ما نخشى منه ان يتأقلم الفساد مرة أخرى مع كل دورة طرح إعلامي فيتساءل الناس وهم يسحقهم الفساد من جديد ويتنهّدون همًّا وقد استذكروا التاريخ.. نعم لقد سمعنا هذا الطرح قديمًا منذ عهد داوود الإعلامي؟.. فيجيب الآخر: لم يتغيّر شيء في عهد ما بعد داوود. وقد طرح الزميل داوود مآسي مناطق سعودية اخرى، وسريعًا سيحكم الرأي العام الوطني على منصة الاستجواب وموقف الوزير النهائي فيها. لكنّ القضية الرئيسية لهذا المقال ليست هذه الحلقة أو تلك انها قصة مداولة قضايا الفساد او الخلل او التقصير او الجرائم الادارية في السباق الاعلامي خاصة تحديدها في الجانب التنموي دون التطرّق للواقع الحقوقي المتعثر بكثافة والمسبب لبرنامج إحباط ليس بالسهل تجاوزه ويخلق مسارات ازمات وطنية متعددة هذا من جانب، ومن الجانب الآخر هل نحن ككُتاب وإعلاميين ومن خلال الحراك الوطني لتحقيق متطلبات المواطن نُشكّل برنامجًا شريكًا يؤسّس عليه فِعل تنفيذي ام بات هذا الخطاب ومن ضمنه برنامج الزميل الشريان جزءا مبرمجًا من الخبز اليومي لهموم المواطن يدفعه الامل حين يسمع او يقرأ لنا ما نطرح ثم يتوجّه الى ميدان العمل والتصحيح.. فإذا به بسرابٍ بقيعة يحسبه الظمآن ماءً، فإذا بلغه لم يجده شيئًا.. هل مشاركتنا الإعلامية والبرنامج الدوري اليومي المنتظم لوقع الثامنة مع داوود رافعة إيجابية ام حركة تنفيس ممنهج ربما لم تُقصد للتنفيس لكن اضحت عمليًا كذلك، ورغم أن كل المؤشرات تؤكّد أنّ هذا النوع من التنفيس لم ولن يلغي حِمم البركان التي يصنعها الفساد بنفسية الشاب والشابة او المواطن او المواطنة، بل قد يُراكم هذا التنفيس جرعة الاحتقان التي لا سبيل لاحتوائها لو انفجرت لحقوقها، وبالتالي ندخل في دور خسائر كان بالإمكان أن تُعالج بوسائط إيجابية ممكنة في المجال التنموي والحقوقي. وهنا يقفز سؤال اعتراضي على الطرح: ماذا تريد؟ وقد طالبنا كرأي عام وانتم كإعلاميين ولا نزال برفع سقف التعبير، وهل الحل ان يترك داوود الشريان وأنتم معاشر الكُتاب الطرح النقدي التنموي ودلالة مواضع الازمة ومحاسبة المسؤول إعلاميًا، ولماذا لا نستمر.. فحنانيك.. ما لا يُدرك كله لا يُترَك جُله او بعضه؟ هذا التساؤل الاعتراضي صحيح ولسنا نختلف معه خاصة في زاوية الإعلامي فهذه قدرته ومهمته وميدانه، إلّا أننا لا بد أيضًا أن نُشير الى الخلل الآخر والى مسؤولية المعالجة الغائبة ودور هذا الغياب في إضعاف حراك الإعلام النقدي، وهو هنا بوضوح بات يقف على مسافةٍ زمنية حرجة تحتاج الى قراراتٍ كبيرة مشفوعة بالتنفيذ الفوري، وكما قلتُ في مقالة الاحد الماضي وكرّرت سابقًا، وأعيدها الآن أنّ سلسلة تفريغ القرارات الملكية بات خطيرًا للغاية سواءً في المسار التنموي او الحقوقي المتوتّر على الصعيد الوطني. وعليه فإن رسالة الإعلام يجب ان تتوجّه ويُفسح لها المجال أكبر وأكبر في ميدان الإصلاح التشريعي والحقوقي حتى تكفل وبالتزامن مع حركة الرفع للإصلاح التنموي وضمان صناعة وطن الانسان الجديد في الدولة تحت مظلة النظام الإسلامي الشامل المنظم لعلاقة الفرد والدولة وصناعة المجتمع المدني الجديد، كبساطٍ منهجيٍ لحياةٍ فاضلة لهذا المواطن الصابر والموالي لوطنه وهويته، وإلّا فالقضية ليست في التقليل من الطرح النقدي أو النقضي لبعض الفساد فهذا مطلوب باستمرار ولا يزال يستحق ويستحق، لكن ما نخشى منه ان يتأقلم الفساد مرة أخرى مع كل دورة طرح إعلامي فيتساءل الناس وهم يسحقهم الفساد من جديد ويتنهّدون همًّا وقد استذكروا التاريخ.. نعم لقد سمعنا هذا الطرح قديمًا منذ عهد داوود الإعلامي؟.. فيجيب الآخر: لم يتغيّر شيء في عهد ما بعد داوود.