اليوم كزمن في التاريخ - وليس كتوقيت في حركة الزمن - لم يعد للإنسان العربي قيمة بعيدا عن دائرة انتمائه القبلي او القروي أو العرقي، وهذا عمل يتجه ضد وجوده على مدى الزمن البعيد ، فابن القبيلة اصبح اكثر انتماء لقبيلته ، وكذلك ابن القرية ، حتى الذي له انتماء عرقي خارج بلاده أصبح شديد الالتصاق في خارجه العرقي ، فهذا المناخ المتقاطع الانتماءات جعل من الكل المكوّن لمفهوم الشعب يعيش حالة تفاخر في العرق والعمل على حمايته من كل من يريد أو حاول الانتقاص من أهميته كانتماء له شكل الاحترام الدائم ، وما يرشح هذه الانتماءات الاجتماعية في الاستمرار هو العامل الاقتصادي والديني ، فعلى قدر الانتماء تتحقق المصلحة المادية والروحية . اليوم بدأ توظيف هذه الحشود المنتمية مع بعضها والمتصارعة مع بعضها ايضا في مواقف لم تكن لهذه المواقف قيمة لو لم تجد هذه الحشود من يؤيدها ، حيث أصبح الحق يعرف بكثرة الأتباع وليس لأنه حق بذاته . الدعاة الجدد أو دعاة الفضائيات بعد أن فشلوا ليكونوا زعماء لمشروع الأمة الواحدة في كل بلاد الإسلام لأسباب عديدة ولعل أرجحها يعود لأطماعهم الشخصية ، عادوا ليبحثوا عن الزعامة في القبيلة والقرية ، لتكون رحلة مجدهم تبدأ من قصائد عرب ما قبل الإسلام، وكأن سيد الخلق لم ينهَ عن التعصب والتحزب ، لعب بالانتماء ونفاق في الدين ، وعبث في حياة البشر ، بدون حسيب من الضمير أو رقيب يخشى مخافة الله ، دعوة للجهل بذكاء خبيث ، فأين تتجه دعوة هؤلاء ، بعد أن تبين لمَن هي موجهة ؟ ولو نظرنا في بلدان الربيع العربي وكيف سرق - هؤلاء المدعون بأنهم حراس شريعة الله - ثورة الشعوب المظلومة ، وإبعادهم من كل مفصل سياسي قد يتوج نضالهم بالوصول للسلطة ، حرامية الكفاح ولصوص السياسة لن يأتي من دعوتهم إلا تقسيم البلدان العربية ، ونشر ثقافة القتل ، ولهم من دماء الشعوب وسيلة لتحقيق منافعهم بالدنيا بعد أن جعلوا حساب الآخرة للآخرة. مشايخ الحشود وليس الدين ، لهم اليوم تحرك سريع في البحث عن اصطياد فرصة جاهلية ، ليثبتوا مواقعهم كزعماء لحشد لا يجمعه سوى شعور بالغضب من ظروفا المادية ، فعرف هؤلاء الانتهازيون كيف يشعلون النار في صدور البائسين من أتباعهم ،وكلما زادت المناحات زادت مكاسبهم . الاعتراض على الأحكام القضائية يعتمد لديهم على تجييش الحشود وتحريك شعور الغضب ، وليس عن طريق الشرع والقانون ، فبعد أن اعتقدوا أن لهم في شارع الشعبي وجودا أسقطوا كل دليل شرعي مقدس من حسابهم ، وأصبحت قصائد الجاهلية تتصدر بياناتهم الاحتجاجية ، ليضمنوا لهم اتباعا يرددون وراءهم ما يقولون بلغة الشعور وليس العقل . لحظة الوقوف مع الشرع والعقل وإعلاء صوت الضمير في هذه المرحلة الحرجة سوف تفضح دعوات الجاهلية المقيتة وتعرّي دعاتها..