في شكل حرب ناعمة ظهرت على واقع الحياة اليومية للمجتمع ما عرف بالبيانات الموقعة، في شكل حرب ناعمة ظهرت على واقع الحياة اليومية للمجتمع ما عرف بالبيانات الموقعة، وهي إما أن تكون من تيار فكري ضد تيار آخر، وإما أن تكون لتبني فكر معين والمطالبة به، وتكون في الغالب عبر بيان مخصوص وفي وقت مخصوص، ومؤشر نجاح البيان هو عدد الموقعين في القائمة، هذه باختصار ثقافة البيانات لدينا. وعلى طريقة "انشر تؤجر" بين وقت وآخر نجد من يتبرع بالوقت والجهد مشكورا لتنظيم بيان, والإيمان به وبكل ما سطر فيه، ومن ثم يتكاثر الموقعون، والأتباع والمعارضون، والعارفون ببواطن الأمور، والذين فقط مع الركب يسيرون. في بيان الشباب السعودي بخصوص ضمان الحريات وأدب الاختلاف الذي نشر مؤخرا؛ تضمن البيان مدخلا تعريفيا يقول: "نسعى جاهدين نحو تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية" هذه البداية في حد ذاتها كفيلة لأن أتراجع ومثلي الكثيرون لسبب أن الدخول للمطالب عبر بوابة العاطفة الدينية أمر لم يعد مستساغا، بالإضافة إلى أن المجتمع كله قائم على هذا، وتحقيق المقاصد الشرعية متحقق في الأصل وليس بحاجة للاستناد إليه أو المطالبة من خلاله للحصول على حقوق فكرية أو مدنية أو إنسانية. كما أن المطالب لم تكن منطقية، لأنها من المفروض أنها متحققة في مجتمع يفاخر ويؤمن بالعدل وبالرحمة وب"وجادلهم بِالتي هي أحسن". الأمر الآخر المطالبة بمؤسسات مجتمع مدني، وهنا تكمن الكثير من المفارقات، إذ إن حلم مؤسسات المجتمع المدني طُرح كثيرا، من خلال دراسات ومطالبات قُدمت لمجلس الشورى من سنوات وما زال جاريا النظر فيها. ولا أريد لمثل هذه البيانات الحماسية والتي تستحق أن نقف لها احتراما – أن تكون نهايتها مجرد حبر على ورق وضجيج "انشر تؤجر" ثم يخفت الضوء وتتلاشى الحكاية, والبيان, وكل القائمة. لم أكن من الموقعين على البيان بالرغم من إرساله لي عبر أكثر من وسيلة، ليس لتجاهله أو للتقليل مما احتوى عليه البيان، ولكن لأني قد مررت بتجربة البيانات الموقعة في أوقات مختلفة، وكنت في كل مرة ممتلئة بالحماس والتفاعل والابتهاج والإيمان بفكرة (حرية المطالب وتحقيقها) وفي كل بيان كنا نمرره ونتحمس له كان ينتهي به المطاف إلى أن يحدث ضجيجا في بدايته ثم ينتهي به الأمر إلى حكاية صغيرة نباهي بها ونحن نستدعي ذكرياتنا البطولية الورقية. سأقول بصدق إن الأمر أصبح بالنسبة لي وللكثيرين أيضا غير مجدٍ، لأنه ببساطة في كل بيان سواء له علاقة بالثقافة، بالاختلاف، بالمرأة، بالحقوق.. ينتهي أمره إلى كونه مجرد عواطف, ومشاعر, والمصالح الكبرى لا تقوم على العواطف بقدر ما تقوم على إحداث التغيير العملي والفعلي، وليس أدل على كونها لا تتعدى العواطف المشتركة أن الصحف الرسمية لا تبثها ولا تسمح بتداولها، وتظل قصرا على مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر" إضافة إلى المنتديات والصحف الإلكترونية. إن كل بيان لا يكون محط اهتمام السلطات التنفيذية لاعتماده واتخاذ الإجراءات التي تكون كفيلة بتحقيقه على أرض الواقع يصبح مجرد فضفضة ُمتَعبِين, وسوالف ليل. ومع ألمي لكل هذا واعتذاري الكبير للقائمين على "بيان الشباب السعودي" فمعظمهم من الأصدقاء والأساتذة الذين أقدر وعيهم ونبلهم أقول لهم: حظا أوفر.