لجنة الانضباط تغرّم ماني وآل فتيل    ما تداعيات التعريفات الجمركية الأمريكية - الأوروبية؟    الحوار السوري .. بناء الدولة الجديدة    خدمات رمضان جندي خفي في مناطق الصراع    أمير تبوك يستعرض التقرير السنوي لقوات الأمن والحماية    مدرب الاتحاد.. الأفضل في شهر فبراير بدوري روشن    لا«عبور».. كل شيء تحت الرصد    العديلي يعود للقصة ب«وقت للحب وقت للحرب»    مثقفون يخصصون «رمضان» لإنجاز مشاريعهم المؤجلة    المفتي العام للأئمة عبر «عكاظ»: ترفقوا بالناس في الصلوات    5 خطوات لتعزيز صحة قلب الأطفال    لاعبون مصابون ب«فوبيا الطيران»    كل ساعة لطفلك أمام الشاشة تضعف نظره    البكيرية تحتفل باليوم العالمي للفراولة    التسوق الرمضاني    جازان تودِّع أبطال المملكة للسهام بالفل والكادي    الأولمبية والبارالمبية السعودية تدعو لانعقاد جمعيتها العمومية    تأكد غياب تمبكتي عن مواجهة الهلال والأهلي    كل عام منجز جديد    زراعة عسير تستعد ب 100 مراقب لضبط أسواق النفع العام والمسالخ    تنفيذ أكثر من 26 مليون عملية إلكترونية عبر منصة «أبشر» في يناير 2025    جدة: القبض على مقيم لترويجه مادة الحشيش    الدفاع المدني يحصل على التصنيف المعتمد p 3 m 3 في إدارة المشاريع    سراة عبيدة تطلق مبادرة "أجاويد 3" لتقديم المبادرات التطوعية    التكافل الاجتماعي يتجسد في قيم مجتمعنا    المسار الرياضي: رحلة الإبهار    الذكاء الاصطناعي يجعل الناس أغبياء    مع عيد الحب    «فنّ المملكة» في جاكس    تراثنا في العلا    النص الفائق في موقع يوم التأسيس    هل انتهت حرب غزة فعلاً؟!    صائم ونفسي رأس خشمي    لن أقتدي بمنافق!    روحانية دون نظير    السعودية مفتاح حل أزمة روسيا أوكرنيا    روسيا تغزو الفضاء    الصين.. حوافز مالية للإنجاب!    منتدى مكة للحلال يختتم أعماله    المستشفيات السعودية تواصل تميّزها عالميًا مع دخول 10 مستشفيات جديدة في التصنيف العالمي    وزير الخارجية ونظيره البلغاري يستعرضان العلاقات الثنائية    المرور يعلن تنظيم أوقات دخول الشاحنات خلال شهر رمضان في 5 مدن    أمير منطقة تبوك يستقبل مدير مكافحة المخدرات بالمنطقة    البرلمان العربي يدين الاعتداءات السافرة لكيان الاحتلال على الأراضي السورية    أمير منطقة تبوك يستقبل قائد القوات الخاصة للأمن والحماية    نجاح فصل التوأم الملتصق البوركيني "حوى وخديجة"    كودو تعاود تجاربها الناجحة بالتوقيع مع شباب البومب.    أمير الشرقية يدشن حملة "صحتك في رمضان ويطلع على إنجازات جمعية "أفق" ويتسلم تقرير الأحوال المدنية    الاتحاد ينتظر هدية من الأهلي في دوري روشن    "الحياة الفطرية" يطلق 10 ظباء ريم في متنزه ثادق الوطني    إطلاق برنامج الابتعاث الثقافي لطلبة التعليم العام من الصف الخامس الابتدائي حتى الثالث الثانوي    المحكمة العليا تدعو إلى تحري رؤية هلال شهر رمضان مساء غدٍ الجمعة    "اجدان" تُطلق مشروع "رسين ريجان هيلز" الفاخر بالشراكة مع "NHC"    أمير المدينة: حريصون على تحقيق الراحة للمصلين في المسجد النبوي    نائب أمير مكة يكرم متقاعدي الإمارة    بين انفراجة صفقة الأسرى وتهرب نتنياهو من المرحلة الثانية.. سباق مع الزمن لإنقاذ هدنة غزة    أمير تبوك يواسي بن هرماس في وفاة والده    أمير تبوك يترأس اجتماع الادارات الحكومية والخدمية لاستعدادات رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المثقف السعودي... وتغريب المرأة

قرأت للكثير من الزميلات الإعلاميات والصحافيات في تعدد صور الشكوى من الوسط الثقافي، وتحرش الرجال بهن، وأثار الإعلام المرئي بعض الآراء التي استنكرت ذلك، وربما أبقت هذا السلوك الخاطئ محصوراً على «الليبرالي المثقف».
وكون التعامل بين المرأة والرجل أمراً طبيعياً له شكلياته المتعددة، فإن موجبات الأخلاق والدين تفرض ضوابط ندركها لأجل الحفاظ عليها، وبالتالي تقيها ممن في قلبه مرض، فالاعتدال في الملبس وطريقة الحديث مطلب، وهذه الضوابط تعبر بها المرأة عن نفسها ذاتياً كقناعة وخلق وبناء شخصية، وليس بافتراض وجود من يتتبعها ويشرف عليها أينما ذهبت.
المرأة عرضة للإيذاء والتحرش في أي مجتمع تحتك به وتتعامل معه، حتى ولو كان هذا المجتمع يتكون في العصر الحجري، وقد وصفهم القرآن الكريم ب«المرضى»، ومن قبل التصنيف المعاصر بين الإسلامي والليبرالي، وقد يصدر سلوك التحرش ممن تنزههم قدسية الرؤية في الذهنية الاجتماعية، ويُظن بهم حفظ الفضيلة والعفاف والسعي وراء إتمامها بالوصاية والتشدد والقمع، وربما تأتي تحت الغطاء الشرعي، كما حدثت الكثير من القصص التي ثبتت على مرتكبيها، ولكنها نقطة يسهل تجاوزها دائماً في ظل تطرف الأحزاب وإقصاء الرأي الآخر، لأنها لا تخدم من يعادي التنوير، ويحارب الثقافة، ولا تسهم هذه الأحداث في عرقلة الحركة الفكرية، ولن يستفاد منها كفكرة تحتسب ضد من يرى نفسه متفوقاً على الآخر أو متحزباً ضده، ولن يستفيد أيضاً لو افتعل من ممارسيها خصوماً يرهب بهم الناس، فهؤلاء المتطرفون لا يخدمون المجتمع بشكل عادل أو هادف، ولا يدعمون وعياً له الأثر البالغ نفسه، الذي يحجمونه ويضاعفون صورته ويحاربون به بعضهم لكي يضاد أثرها الاجتماعي الضار، لذلك فالعقل الاجتماعي ينساها وكأنها لم تحدث.
الخطأ صفة بشرية علاجها ضرورة، سواء ذاتياً أو اجتماعياً، ولكنه ليس من العقل وليس من العدل «أن نوجد لهذه الأخطاء مبرراتها ومسوغاتها عند فئة من الناس ونستخدمها شواهد ضد فئة أخرى»، فإذا أخطأ الليبرالي في تحرشه بامرأة، حتى ولو نال منها، فقد يُخطئ المتدين ويقع في الزنا، وليس منا أحد يملك حق التزكية لنفسه، إننا بذلك نكرس الجهل الذي نريد أن نتحرر منه، وألوم كثيراً على المثقف السعودي الذي يشبه صاحب المنصب المرموق ذا الواجهة المشرقة، الذي يظن أن مكانته الأنيقة تسوغ له قبولاً لأفعاله حتى ولو كانت سيئة، فيفترض بالمثقف، فضلاً عن غيره، كونه أقرب إلى المعرفة والثقافة وامتثال الأخلاق العليا وتهذيب السلوك، وأقرب إلى فهم ما توجبه عليه إنسانيته وأخلاقه ألا يظهر مخالفاً لكل هذا في شخصيته الحقيقية، بالتالي فالناس تحترمه وتظن أن ما يقوله ويتصرفه منهجياً، وربما يجد قبولاً لدى فئة من الفتيات، فالتحدث مع الشخصية المعروفة يأخذ شكلاً من أشكال الاعتزاز المنفرد عن غيره، لكن بعضاً منهم في الحقيقة ممن يقولون ما لا يفعلون، وهذا قد يجعل الإنسان أن يكون إزدواجياً ومنافقاً.
وأتعمد في قولي «مثقف سعودي»، لأن التعبير بصفة جنسيته يشبه التعبير عن المخلوق الوحيد، والبعض يزيد من هذه الأزمة ويعمل على تعقيد إشكالاتها، وأظن أن من تعتريه هذه الحال يضيع بين أمرين:
الأول: حرية التعبير عن أفكاره الحقيقية، فالبعض يصل إلى ما فوق ال 40 عاماً ولا تزال مراهقته المكبوتة تسوغ أفعاله وتلاحقه بطيشها، والأمر الآخر: قيود الناس وسطوة القانون الاجتماعي، باعتبارها العامل الأقوى في الضغط النفسي والكبت، وبهذا فالتحضر الذي يكتب عنه ويصنع منه صورة فقط، لا يعبر بها أبداً عن قناعته الحقيقية، فليست إلا قشرة خاوية من القيم لا تصل إلى إنسانيته ولا تعكس شيئاً منها.
وعلى هذا فقد عاش الكثير على اختلافهم في هذه البيئة الصحراوية بين البداوة والقرى بسلام، وكانوا أقرب إلى إنسانيتهم من حالنا اليوم الذي نعيشه بين غابات الأسمنت، وفرضت قيود الحضارة الشكلية وعاكس «التحفظ» طبيعة الإنسان، وعمل على كبته وحرمانه من حياته الطبيعية، وبالتالي نتجت لنا صور تعادي الحضارة من حالات الاغتراب النفسي، فإن ذهنية المجتمع على اختلاف الثقافات متقاربة تحت تعبير «الانسان السعودي» الذي ينفرد بالغرائب والانتهازية، فقد خلقوا في هذه البيئة، وعملت ظروفها المتصحرة على تشكيل طبائعهم.
إن التوجس والارتياب لدى الطرفين هو إحدى السمات التي خلفتها لنا ثقافة الانغلاق في المجتمع، وربما يصبغ على صيغة التعامل العفوي أحياناً سمات التحرش، فإن وقوف الرجل والمرأة أحياناً على مستوى عقلاني واحد لا يفصل بين معيارين أخلاقيين، ما يخلق ضبابية ذهنية بين الطرفين، سواء في التعامل أو تقويم السلوكيات، وأعني من هذا أن هناك من الأشياء المحسوبة بثقافة الواقع تعتبر خطأً، ولكنها بافتراض المثقف الواعي صائبة، وهي تماماً الحيرة بين من يبقى يحمل في ذهنيته ثقافة الواقع التي نشأ عليها، وبين من يتجرد منها، ولا نغفل الأثر السيكولوجي الناتج عن نقص المعرفة بالجنس الآخر، وهي نتيجة لمشوار العزل الطويل، وهنا تلتبس المفاهيم، فالكثير لا يرى المرأة إلا جسداً، وغالب التجارب تتكون من معرفة مجتزئة أو منقوصة، وهذه نتيجة طبيعية في مجتمعاتنا.
الإنسان بطبيعته يمر بمراحل انتقالية من الرقي والنمو الإنساني ويتأثر بالمتغيرات والتطورات التي تمر به وفي محيطه عقلياً واجتماعياً وتفاعلياً، وبصفة النمو عملية مستمرة وشاملة ومتصلة، فالناس يتبعون نمطاً متشابهاً في السلوك، ويذكر هنا أن العلاقات الإيجابية لها دور فاعل في الارتقاء الاجتماعي، لذلك فالإنسان الإيجابي يستطيع أن يتغير وأن يسهم أيضاً في التغيير، وكل ما علينا هو العمل بالواجبات التي نعلمها وبالتالي سنرتقي.
* كاتبة سعودية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.