«الصناعة»: رصد تحديات النمو والتوسّع في 1000 مصنع    هل تعود أحداث الحجْر والهلع من جديد.. بسبب فايروس صيني ؟    اعرف صحتك من لون لسانك    «سلمان للإغاثة».. يواصل دعمه للاجئين السوريين في عرسال    «الدفاع المدني»: أنصبوا الخيام بعيداً عن الأودية والمستنقعات    رسوم وحروفيات شعرية تزيّن صخور تهامة المخواة    «البيئة»: منى تسجّل أعلى كمية أمطار ب 89 مليمتراً    نائب أمير منطقة تبوك يزور مهرجان شتاء تبوك    8 ملاعب تحتضن مباريات كأس آسيا 2027    الجنف.. عدو العمود الفقري    عشاق الزيتون    الذهب يرتفع وسط انخفاض الدولار.. والأسهم إيجابية    مترو الرياض الأول عالمياً    سلمان بن سلطان: زراعة أشجار العود والصندل تعزيز للاستدامة البيئية    انحراف المدرج .. تحديات وحلول    سعود بن طلال يشيد بدعم القيادة للقطاعات العسكرية    الذكاء الاصطناعي ليس عبقرياً    الخارجية الفلسطينية تدين التصريحات التحريضية الإسرائيلية    واشنطن: موسكو تمول طرفي حرب السودان    القوات الروسية تتقدم في أوكرانيا    شاحن لتشغيل 5 أجهزة حاسوب في وقت واحد    أكل النقانق «خيانة» في كوريا الشمالية    عوائق العلاقات الطبيعية بين لبنان وسورية    دعم القطاع الخاص للبحوث والدراسات العلمية    الاتحاد يُقصي الهلال بركلات الترجيح ويتأهل لنصف نهائي كأس الملك    في انطلاق كأس السوبر الإسباني بالجوهرة.. برشلونة في اختبار أتلتيك بيلباو    خيسوس مدرب الهلال : الفريق الأفضل لم يفز الليلة والنتيجة لم تعكس واقع المباراة    إقامة بطولة أساطير الخليج.. فبراير المقبل    فارياوا يحسم المرحلة الثالثة برالي داكار السعودية.. والراجحي يتراجع    العدالة والمنافسة على الصعود    اعتزلت الملاعب    الشرع يفتخر بما فعلته السعودية لمستقبل سوريا    أمير نجران يكرّم قائد الأفواج الأمنية بالمنطقة سابقاً    مجلس الوزراء: الموافقة على نظام المواد البترولية والبتروكيماوية وتعديل نظام المرور    أمر ملكي بتعيين 81 "مُلازم تحقيق" بالنيابة العامة    حرس الحدود بجازان يقدم المساعدة لمواطن تعرض لأزمة صحية في عرض البحر    نجاح.. شهرة.. ثقافة    شراكة أمانة الرياض والقطاع الخاص    أمر ملكي بتعيين (81) عضوًا بمرتبة مُلازم تحقيق على سلك أعضاء النيابة العامة القضائي    «حياكة السدو» تستوقف زوّار «حرفة»    جازان تستضيف النسخة الأولى من معرض الكتاب 2025    جائزة الملك فيصل تعلن الفائزين للعام الحالي    أساس الألقاب في المجتمع السعودي    احسبها صح .. بعيداً عن الفوضى    محتوى الإعلام الدولي.. ومؤتمر سوق العمل !    الأفلام والدخل الوطني    لماذا بطولة بولو العالمية في صحراء العلا ؟    هيئة الأوقاف تعرّف بخدماتها في تبوك    سعود بن نايف يطلع على جهود «أصدقاء السعودية»    أمير الشمالية يتفقّد مبنى إدارة الأدلة الجنائية الجديد    أمير حائل يدشن مهرجان العسل    «تخصصي المدينة المنورة» يحصل على «الآيزو» في إدارة المرافق    «HMPV».. فيروس صيني جديد يثير هلعاً عالمياً    نائب وزير الداخلية يستقبل السفير المصري لدى المملكة    سفير فلسطين: شكراً حكومة المملكة لتقديمها خدمات لجميع مسلمي العالم    بلسان الجمل    العداوة الداعمة    حماية البذرة..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في تكوين «الشيخ المفكر»

نقصد بالشيخ معناه الغالب عندنا، وهو الفقيه والمتفقه ممن له علم بأحكام الشريعة، وحتى حامل فقه ليس بفقيه ممن له ظاهر الملبس والهيئة والمجالسة والمؤانسة، ذلك لأن أسماء الأشياء تُعرف بالاستخدام العرفي.
الشيخ بهذا المعنى له سلطة تدينية ومعرفية، وأحياناً سياسية بحسب الطلب وتجاهل دراسته وتكوناته النفسية والعقلية والسلوكية لن يكون صحيحاً له، ولن يكون صحيحاً منه. وباعتبار «الشيخ المفكر» عالم ديني وفقيه شرعي فهو على وعي بمصادر التشريع، ليس فقط بمسمياتها «الكتاب والسنة»، ولكن بفهمها وإدراكها، وما يلزم هذا الفهم والإدراك من الاستعدادات النفسية والبناء الشخصي والأدوات المعرفية والوسائط التي يفهم من خلالها النصوص عبر تحولات الوقائع والأحداث، فهماً وإدراكاً يتشكل كمنظومة يغذي بعضها بعضاً بطريقة منسجمة. إذ إن التفكير بعقل المنظومة هو الضمانة من الانفصال المعرفي الذي تعاني منه المنتجات الفقهية بين الإفتاء والقضاء من جهة، وبين الأقضية نفسها من قاضٍ إلى قاضٍ مع اتحاد الوصف في الدعاوى أياً كانت حقوقية أو جنائية! إن أول بناء للشيخ المفكر وهو ما يشترك فيه مع غيره هو بناؤه الشخصي في عمقه الروحي الذي ينعكس على مستوياته الثلاثة «النفسي والعقلي والجسدي»، فالشيخ المفكر حين لا ينكشف على فطرته البيضاء وينطلق منها، وحين لا تصفو نفسه وتتجلى طيبته، وحين يكون ضحية ضغوط نفسية يكابر في تحليلها ومعالجتها، فإن ذلك سيؤثر كثيراً على مدركاته العقلية، بل على طريقته في الإدراك ورؤيته للأمور، وإن أفضل جهد يقدمه الإنسان لنفسه هو عنايته الروحية والنفسية والعقلية والجسدية بذاته بطريقة واعية ومنسجمة.
والمسألة المهمة الثانية في بناء الشيخ المفكر هو وعيه بالرسالة التي يحملها، وهو وعي منظم متكامل، فأساسه: الوعي القيمي الأخلاقي، وهو ما تؤكده الرسالة ذاتها، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ووصفه مُرسله الله تعالى بقوله (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وهذه مسألة في غاية الأهمية، فالشيخ المفكر لا تخرج منتجاته الفهمية عن منظومة الأخلاق إذا هي جوهر الدين.كما أن من أساسيات الوعي العلم بمقاصد الشريعة، وبعبارة الشيخ اسماعيل الحسني في مقدمة كتابه «نظرية المقاصد عند ابن عاشور»، ف «إن نقطة الانطلاق في الفكر المقاصدي هي التسليم بأن شريعةً تكتفي بالأوامر والنواهي من دون تعليل لمقاصدها، ومن دون المجال لطابع المعقولية على معانيها وأحكامها، لهي شريعة لا تستوعب تقلبات الحياة وتشعّباتها، لذا كان هذا الفكر أشد حساسية إزاء المأزق المنهجي الناشئ عن الذهول عن اختلاف الأوقات، ولا مناص لتجاوز وضع كهذا من التوسل بفكر مقاصدي، فكر يزاوج في النظر بين الاستقراء التحليلي لأصول الأحكام الشرعية قصد التعرف على عللها وحِكمها، وبين سبر الحاصل من تلك العلل والحِكم».ومن طلائع المقاصد أن الشريعة «رحمة وهدى وعدل وتيسير»، كما يؤكدها القرآن (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، وفي قوله (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)، وقوله (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)، وقوله (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، فأي حكم أو فتوى أو خطاب لا ينطلق من هذه الأصول المقاصدية للشريعة فهو محل النظر. إن مقاصد الشريعة استثمار وانشغال محوري في فكرة الهم النهضوي والتطور الحضاري، وينبغي أن تطور هذه الفكرة وتقدم كمشروع حياة، وألا تبقى رهينة البحث العلمي والممارسة الأكاديمية. والشيخ المفكر مقاصدي مجتهد قد خلع عنه التقليد والتكرار، وهو يمارس حقه في اقتراح حقول جديدة يتجاوز فيها المراهنات الفاشلة والحوارات التائهة. يقول الشيخ علال الفاسي في مقدمتة كتابه عن المقاصد: «لم تزل الإنسانية تخطو في مراحل الترقي حتى تم رشدها الديني برسالة محمد «صلى الله عليه وسلم»، وتمت حاجة إكمال الدين وانتهت التجربة الدينية إلى غاية سعيدة تتألف العقل والدين». إن الفقيه الذي لا ينتج ذاته بوعي يسلم نفسه لمنتجين آخرين يُشكلونه من حيث لا يدري لمصالحهم، وهو من جهله بذاته يحسب أنه ممن يحسنون صنعاً، سيما إذا كان هذا الفقيه يقيس نجاحاته بخفق نعال الأتباع حوله، أو بالألقاب التي تخلع عليه، أو الوظائف التي يعين عليها. ألا إن الفقه أعلى من ذلك، ففي الحديث «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.