أثار تصريح الشخصية الوطنية الكويتية المعروفة السيد احمد السعدون رئيس مجلس الأمة الكويتي حاليًّا وذي السجل المخضرم في ترؤسه وعضويته البرلمانية قضية مهمة في تحقيق الحد الأدنى من التوازن المجتمعي والوطني في دول الخليج العربي للتقدّم في خلق أرضية مناسبة وموضوعية للاتحاد الخليجي، حيث رحّب السعدون بخطوة الاتحاد لكنّه رأى انه من الصعب تنفيذها دون غطاء حقوقي يضمن على الأقل حرية التعبير السياسي وحراك المجتمع المدني المتقارب لدول مجلس التعاون، والحقيقة أن هذا التصريح يُنظر له من عدة زوايا، الأولى أن السعدون يُدرك تمامًا حجم تصاعد التأييد الشعبي الخليجي للاتحاد يعضده موقف عدد ليس بالقليل من الباحثين والمفكرين من أبناء المنطقة وقيادات النخبة وهو تأييد لا يجهل واقع الإصلاح السياسي المتعثّر بل والمضطرب في دول المجلس والأزمات السياسية العاصفة.. سوى أنّه - أي التأييد الشعبي - لا يجعل ذلك شرطًا لتحقيق أي إطار وحدوي أقوى لدول المنطقة في مقابل تهديدات إقليمية جدية وتقاطعات دولية معها صراعًا أو توافقًا لا يُعرف أين تتجه بها البوصلة، وهو ما يجعل الخليج العربي أمام تحدٍّ جاد لطروء خارطة جديدة لحدوده السياسية، وفي أيّ حالة تُشكّل خطورة على البقاء الوجودي كوضع البحرين لا اعتقد أنّ أحدًا ومنهم السيد السعدون يتردد في مواءمة وحدوية لأجل الإنقاذ ولن يُغير ذلك العصف الموسمي على مقاصد القرار الوحدوي الموقف حين تكون درجات رصد المنطقة وتطوراتها أقوى من أي دلالة، فهنا الحديث في الأصل على أن جغرافيا إقليم الخليج العربي تقوم على وحدة دين وعروبة وانتماء مجتمعي تاريخي. لكن في ذات الوقت هناك مسار استراتيجي لفهم عوامل نجاح الاتحاد وتأسيس بنيته الأولى وإغفاله يعني بالضرورة إهمال عناصر نجاحه وقوته، ومن أهم هذه العوامل حصول هذه الشعوب الخليجية التي ارتضت بالأسر الحاكمة كمرجعية حُكم على حقّها الطبيعي من الحريات السياسية والتمثيل الشعبي والرقابة على المال العام وتفعيل الأدوات القانونية والحقوقية المستقلة عن السلطة التنفيذية، ولو كانت هناك برامج فاعلة في هذا الاتجاه في كل دول مجلس التعاون تتجه لمسار إصلاح سياسي تنفيذي لاقترب هذا التجانس من وضعية بنية الاتحاد لكن هناك تفاوتًا كبيرًا بين دول المجلس مع تعثّر متشابه في أوجه متطابقة لجميع الدول، في كل الأحوال إنّ تحقيق الحد الأدنى من الحق الوطني العام وهو حرية التعبير عن الرأي في الشأن العام وضمان الحماية القانونية والمحاسبة المنضبطة للمتعدّي دون تحريض عليه سيبقى ضرورة لنجاح أي إطار اتحادي. وهنا قد يبرز لنا مسار خطير جدًا وهو أن الاندفاع الشعبي إلى الهيكل الاتحادي دون مواءمة سياسية للحريات سيكون معرضًّا لانتكاسة ورفض من ذات الرأي العام في بعض الدول حين تصطدم بمستوى تضييق ومحاصرة لرؤيتها السياسية كأجواء وان لم تصل إلى التشريع الدستوري، وبالتالي تتحوّل إلى ردة فعل كارهة للأُطر الوحدوية في توقيت دقيق في مسيرة عمر تشكيل الدولة القُطرية في الخليج العربي فينهار تماسك البناء المجتمعي الموحّد وتصبح خسائر الإطار الوحدوي اكبر. وكنتُ قد ناديت قديمًا بهذا الاتحاد منذ عام 1993 في صحيفة الوطن الكويتية واتبعته في مقالاتٍ عديدة في الوطن البحرينية كقناعة إستراتيجية بضرورته لكن من المهم تأسيس عوامل نجاحه، ودعونا نُذكّر بقضية مهمة في هذا الصدد وهي أنّ كل التصوّرات المطروحة لا تتجاوز الاتحاد الكونفدرالي أي دول مستقلة تندمج في سياستها الخارجية والدفاعية مع بقاء الدستور والهيكل الحكومي والسلطة التشريعية والقضائية لكل دول المجلس منفصلًا، لكنّ هذا الإطار ورغم تركه مساحة كبيرة للدولة القُطرية إلا انّه سيتأثر ولو بصورة غير مباشرة ببعض الضغوط السياسية والاجتهادات في رسم الخُطط الأمنية التي ستصطدم مع أجواء حريات إيجابية تتمتع بها بعض دول المجلس وهكذا تبدأ رياح عدم الثقة تنتشر، هذا إن قُدّر للاتحاد إن يشهر فعليًّا، وبالتالي سيكون البناء على ارضٍ هشّة في حين تَقدم حريات التعبير السياسي والضمانات القانونية في كل دول المجلس ستجعل تأسيسه على قاعدة صحية إضافةً إلى أنَ هذه الحريات يفترض أن يُفسح لها برنامج الحديث والحوار حتّى تُشارك فعلياً في اتخاذ القرار في روح شوروية حقيقية فاعلة تنقل الاتحاد من أغاني الفلكلور إلى التبادل الصحي لمواثيق التقدم السياسي والحقوقي والتنموي وهويّة الشعوب وامن الخليج العربي وتقدمه، عندها سيكون الاتحاد محميًّا بقرار شعبي يحمي الدولة والمجتمع معًا يتزايد تأييده ولا يرتد فيتراجع وتطير الوحدة الورقية؛ لأنّها لم تؤسس على قاعدة الإرادة الشعبية.