عادل بن عبد العزيز آل موسى - الاقتصادية السعودية حرصت بلادنا المباركة على الأخذ بمعطيات الحضارة والعمل على تحقيق التقدم في كافة مسارات ومعطيات الحضارة الإنسانية الحديثة، والتي منها مجال العلوم والتقنية في قطاع التدريب والتعليم العام والعالي، فقد جاء في وثيقة سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية في بابها الأول (الأسس العامة التي يقوم عليها التعليم): ""14- التناسق المنسجم مع العلم والمنهجية التطبيقية (التقنية) باعتبارهما من أهم وسائل التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والصحية، لرفع مستوى أمتنا وبلادنا، والقيام بدورنا في التقدم الثقافي العالمي"". وإذا كان قطاع التعليم في المملكة يمثل أحد أهم القطاعات الخدمية استراتيجية ومحوريّة؛ قياساً على ما يؤمل عليه من مخرجات ونتائج، وما ينفق عليه من ميزانيات وأموال كبيرة وما رصد له في الخطط الاستراتيجية للمملكة، فقد استحوذ قطاع التعليم والتدريب على قرابة ربع الميزانية المباركة للعام 1433/1434ه، وهو الأمر الذي يعكس حجم الاهتمام الكبير به وبمخرجاته. وفي ظل هذا التواكب الذي تشهده العملية التعليمية في بلادنا مع التقنية، تسابقت الجامعات السعودية في افتتاح البرامج، والمضي قدما في مجال الاستثمار التقني التعليمي؛ بإنشاء عمادات مميزة خاصة ببرامج التعليم عن بعد، وفي هذا الخصوص صدرت الموافقة الكريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بالموافقة على لائحة التعليم عن بعد في التعليم العالي، والتي أوجدت مرجعية نظامية لهذه البرامج؛ بتمييزها عن الأنماط التعليمية الأخرى، وقد هدفت اللائحة كما في مادتها الأولى ل ""ضمان جودة التعليم عن بعد"" و""دعم تطور مؤسسات وبرامج التعليم عن بعد في المملكة، بما يحقق أهداف التنمية الوطنية"" و""إتاحة فرص للتنوع في تقديم برامج أكاديمية وتدريبية في التعليم العالي"". وإذا ما نظرنا إلى المادة 12 من ذات اللائحة نجدها تنص على أنه يشترط لتقديم برامج التعليم عن بعد ""حصول أعضاء هيئة التدريس والطلاب على التدريب والتهيئة اللازمين لنمط التعليم عن بعد"" و""ألا يقل ما يدرس زمانيا عن 25 في المائة من الوحدات التدريسية لكل مقرر.."" وأن يكون ""بالأسلوب التفاعلي بالإضافة لما يدرس زمانيا"" وأن يكون احتساب درجة الاختبار النهائي لكل مقرر نسبة ""لا تقل عن 50 في المائة ولا تزيد عن 70 في المائة من الدرجة الكلية للمقرر"". وكذلك ما جاء في المادة 14، والتي تنص على أن طالب التعليم عن بعد يُحرم من حضور الاختبار النهائي لمقرر التعليم عن بعد ""إذا تجاوزت نسبة غيابه 25 في المائة من المحاضرات التزامنية المطلوبة"". وإذا كانت اللائحة لفتت إلى إمكانية التوسع في الدراسات العليا في أسلوب دراسة التعليم عن بعد كما في مادتها 19 ""دون الإخلال بأحكام هذه اللائحة تسري على برامج الدراسات العليا للتعليم عن بعد أحكام اللائحة الموحدة للدراسات العليا في الجامعات""، فإننا نجد أن هناك شيئا من الإخفاق في تجارب بعض الجامعات السعودية في برامج التعليم عن بعد في مرحلة البكالوريوس؛ وذلك مع عدم إغفال الإيجابيات الكبيرة التي حققتها هذه المؤسسات في تقريب العلم بين الناس، وتسهيله، وتحقيق غاية التنوع، وفي تقديم العلوم المعارف، والمساهمة في تحقيق التنمية التعليمة والثقافية للمجتمع.. وإتاحة فرصة كبيرة لشرائح المجتمع في مواصلة تعليمهم وتحقيق طموحاتهم، وتذليل العقبات التي كانت تعوق دون مواصلة دراستهم، وجعل التعلم أكثر مرونة وتحريرا من القيود المعقدة، بجعل التعلم غير مقيد بحدود مكانية أو زمانية، وتوفير مصادر تعليمية متنوعة ومتعددة؛ ساعدت على تقليل الفروق الفردية بين المتعلمين، ودعم المؤسسات التعليمية والتدريسية بوسائط وتقنيات تعليم متنوعة ومتفاعلة، وهو الأمر الذي أوجد بيئة تعلم إلكتروني تحفز الطلبة خارج الحرم الجامعي والطلبة من كافة أنحاء المملكة على الالتحاق بها. مع هذه الإيجابيات الكبرى إلا أنه لا بد من أن تقع هذه التجارب في بعض الملحوظات، لا سيما أن تجربة جامعاتنا السعودية تعد حديثة في هذا المجال، والتي قد يقع معها بعض الملحوظات بطبيعة الحال.. فمما يلاحظ في هذا الخصوص الانخفاض الواضح في مستوى الجودة لدى كثير من هذه المؤسسات، وتراجع الحرص على تحقيق الغاية الأساسية من العملية التعليمية، فآلت المخرجات في كثير من الحالات تهدف إلى الحصول على شهادة دراسية دون تحصيل قدر ملحوظ من العلوم والمعارف. ومما يلاحظ على الواقع اليوم هو ضعف التعليم التزامني - الحضوري؛ الذي يلزم فيه الطالب بحضور البيئة التعليمية، وأداء الواجبات الدراسية التي يكلّف بها وتقييمه عليها واعتبار حضوره وفعاليته معها محتسبا له في الدرجة الإجمالية للمقرر، والذي يراوح بنص اللائحة من 50 في المائة إلى 25 في المائة، كما في موادها 12 و14 وهو الأمر يلزم الطالب على التواصل طوال الفصل الدراسي مع مادته وأستاذه الموكول له هذه المهمة ليكون مشاركاً فيها وحاضراً لها؛ وإذا زادت نسبة غيابه عن 25 في المائة كما في المادة 14 فإنه يحرم من دخول الاختبار النهائي! والواقع فيما أعرفه أن هذا لا يطبق لدى عدد من جامعاتنا! ولعل من أجلى علل هذه البرامج أن أنظمة الاختبارات فيها ليست إلكترونية تقام على الحاسوب بل هي ورقية، وإذا كانت ذلك فإنه يحصل معها تجاوزات في تسريب الأسئلة من قبل بعض الطلاب أو نقلها عبر المنتديات الدراسية؛ فيكون مصيرها للاكتشاف! باعتبارها محدودة ومقيدة بمحتوى ومادة منتجة ومسجّلة لا يمكن الخروج عنها! الأمر الذي حدا كثيرا من الدارسين للاكتفاء بقراءة الأسئلة السابقة وتكون هذه القراءة هي العهد الوحيد له بالمنهج، والمفارقة أن هذا العهد كاف لاجتيازه ونجاحه في المادة! فتجد قدرا من الطلاب لا يحضر اللقاءات الحية (التدارس الزماني)، ولا يشارك في المنتديات المخصصة للمواد، فقط آخر عهد هو تحديد الجدول، وتفعيل حسابه، وسداد الرسوم الدراسية، واختيار مركز الاختبار! فلا بد مع هذا الواقع من مراجعة مدى قوة المخرجات وتحقيقها للأهداف ورفع مستوى الجودة بها وإعادة النظر فيها. إن هذا الجو المتراخي في التعليم مع ارتفاع نسبة الملتحقين بهذه البرامج وغياب معايير الجودة، جعل كثيرا من الطلاب الملتحقين به يشعرون بسهولة هذه البرامج، وسهولة تجاوزها والتجرؤ عليها، وعلى أنظمتها أحيانا، حتى إن بعضهم قد يستسيغ الغش في اختباراتها النهائية بشكل ملحوظ، فتجد أن نسب حالات الغش والغياب عالية في هذه البرامج إذا ما قورنت بالتعليم الاعتيادي! الأمل منشود في الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي، ووزارة التعليم العالي، والمسؤولين بالجامعات، للوقوف على هذه الظواهر ومعالجتها، خصوصاً أنها تستحوذ على قدر كبير من مجال الاستثمار التعليمي في قطاع التعليم العالي، ويلتحق بها عشرات الآلاف من الطلاب، ويؤمل فيهم الكثير! وقد قطع بعض المسؤولين فيها بالوعود بافتتاح برامج الدراسات العليا فيها! وهو الأمر غير المقبول في تقديري ما دامت بهذا الواقع! والله من وراء القصد.