هذا المفهوم يبدو شديد الجاذبية، إذ يبدو وكما لو كان يلخص شطر إشكالية الاستعمار فهو يحفزنا نحو تسليط الأضواء على المثالب القارّة في البنية العميقة لذلك الوعي الذي تلظى بنيران الاستعمارواكتوى بأوارها. هذا المفهوم الذائع الصيت جرى سكّه من قِبل مالك بن نبي توخياً منه لإيقاظ الوعي والدفع به نحوسبل إحراز التألق, بيد أن ابن نبي - رحمه الله- لم يتجاهل ذلك الطابع التقويضي للمشاريع الاستعمارية، بل إنه وخلافاً للمعتقد السائد عنه كان يعتبر القابلية للاستعمار من المخرجات المنبثقة من الاستعمار ذاته, إذ هي نتيجة عنه لا مقدمة له, أما التعاطي مع هذا المفهوم اليوم فهو متباين، إذ ثمة من ينبعث من رؤية نهضوية وثمة من ينبعث وفقاً لمنهجية تروم توليد المسوغات التبريرية للخضوع المطلق للقوى الكولونيالية من خلال التسويق للمفاهيم الإيحائية التي تشي بأن عناصر التخلف كامنة في أغوارنا متأصلة في مفاصل وعينا وبالتالي فليس ثمة كبير جدوى لإبداء أي ضرب من المقاومة لكافة قوالب الاختراق الثقافي! فى كتاب (شروط النهضة) تحدث ابن نبي عمّا يسميه (معاملين) أحدثا أثرهما الكثيف في الإنسان المستعمَر: المعامل الاستعماري, ومعامل القابلية للاستعمار وهو ينبعث في حكمه التعميمي من التجربة التي عاشت الجزائر مرارتها إبان الاستعمار الفرنسي. المعامل الاستعماري عامل خارجي يملي على الواقع في قبضته نمطاً حياتياً وإطاراً فكرياً لا تولد مخرجاته إلا ذاكرة جمعية تتسم بالقابلية المطلقة للانهزامية وبالتالي تشرّب مفاهيم المستعمر والتشبع بأيديولوجيته وضبط الحراك العام وفق الأطر المدشنة من قِبل القيادات الكولونيالية وليس ذلك فحسب، بل سينبري من يتبني الذود عن حياض الاستعمار وإضفاء مساحات من المنطقية عليه للإيحاء بأن ما هو متعيَّن ليس إلاشأناً طبيعياً يُفترض التكيّف معه في متباين الأحوال؛ بل ثمة من سينزع إلى تجميل تلك الصورة الكالحة ومكيجتها، بل ويلقي في الروع العام أنها هي الأفق الذي تقرّر شرائط إحراز التقدم معانقة عوامله والصيرورة إلى تلمس إرهاصاته وحينئذ لا تتموقع القابلية للاستعمار في زوايا الوعي فتطفو على سطحه، بل ستتجذر في أغوار اللاشعور وستمارس دورها في إدارة الذات التي ستستبطن تلقائياً نظرة دونية عن الأنا على نحو يرسخ الذوبان ويفاقم من تدني مستوى التأبي. إن الراصد لمجمل أطروحات مالك بن نبي يلحظ عدم اعتقاده بحتمية تجلي القابلية للاستعمار في كل حالة استعمارية ولذلك هو يقرر بأن (ألمانيا واليابان) اللتين وقعتا في فك المفترس الاستعماري لم تبد عليهما القابلية للاستعمار بينما في المقابل ثمة بلاد لم تتلظ بنيرانه ومع ذلك تجلت فيها تلك القابلية التي تشي بضرب من تداعي جهاز المناعة, وهبوط مستوى الحصانة الذاتية.