تغريم متجرين إلكترونيين تأخرا في تسليم المنتجات    النيابة: الغش في الأعلاف يستوجب المساءلة    «تزييف الإعاقة» يربك مطارات عالمية    بري: تهور إسرائيل انتهاك صارخ    السجن 1335 عاماً لعضو في عصابة بالسلفادور    969 خرقاً للاحتلال خلال 80 يوماً    صراع شرس بين كبار أوروبا لضم «نيفيز»    في انطلاق الجولة ال 12 من دوري روشن.. ديربي قصيمي بين التعاون والنجمة.. وشرقاوي يجمع الخليج والفتح    في كأس أمم أفريقيا بالمغرب.. المغرب مطالب بالفوز على زامبيا.. ومصر للعلامة الكاملة أمام أنغولا    مركز الملك سلمان يوزع سلالاً غذائية بالسودان ولبنان.. وصول الطائرة السعودية ال77 لإغاثة الشعب الفلسطيني    «أمينة» توثّق تجربتها في تربية وتدريب الصقور    حكم بالحبس والغرامة على «مها الصغير»    هديل نياز.. فنانة بطموحات عالمية    ليالي جازان ألوان فرح والأطفال يتسلطنون    الزواج بفارق العمر بين الفشل والناجح    البيت الحرام.. مثابةٌ وأمنٌ    اختبار دم يتنبأ بمخاطر الوفاة ب«مرض القلب»    رحيل المخرج المصري عمرو بيومي    دعوى فسخ نكاح بسبب انشغال الزوج المفرط بلعبة البلوت    طرائف الشرطة الألمانية في 2025    علاج جيني روسي لباركنسون    كريستيانو رونالدو يتوّج بجائزة أفضل لاعب كرة قدم في الشرق الأوسط لعام 2025    أسفلت بالطحالب يقاوم الحفر    إلغاء سندات لأمر في التمويل لبطاقات الائتمان    اللجنة السعودية التونسية المشتركة توقع 5 اتفاقيات ومذكرات تفاهم تكاملية    القبض على مواطن لنقله مخالفًا لنظام أمن الحدود في جازان    وزير الدفاع اليمني يُثمّن دعم المملكة ويؤكد الثقة بقيادتها    اللجنة المحلية المنظمة لكأس آسيا "2027 السعودية" تستعرض جاهزية الاستعدادات للبطولات القارية المقبلة    هل استعصى الحل مع قسد    أرقام النصر القياسية تزين روشن    مدينة الفل تنثر الثقافة وتروي تاريخ الأجداد    رفض واسع يطوق قرار نتنياهو ويفشل رهاناته في القرن الإفريقي    دغدغة المشاعر بين النخوة والإنسانية والتمرد    الاستديو التحليلي يطوّر قراءة أشواط مهرجان الملك عبدالعزيز للصقور    تهيئة محيط مشروع المدينة العالمية بالدمام وتعزز انسيابية الحركة المرورية    أمير حائل يدشّن مشروعات تعليمية بالمنطقة بأكثر من 124 مليون ريال    بدء استقبال وثائق مقدمي خدمة إفطار الصائمين في رمضان بالحرمين    باكستان تدين اعتراف سلطات الاحتلال الإسرائيلي بما يسمى أرض الصومال    أمانة القصيم تعزز الأجواء الشعبية بفعالية الطبخ الحي في حديقة إسكان بريدة    ديوان المظالم يطلق أول هاكاثون قضائي دعمًا للابتكار    "التجارة" تشهر ب 60 مواطنًا ومقيمًا لارتكابهم جرائم التستر التجاري    رحل إنسان التسامح .. ورجل الإصلاح ..    السماء أكثر زرقة وصفاء في الشتاء لهذا السبب    اختتام الدراسة المتقدمة للشارة الخشبية في نجران بمشاركة 40 دارساً ودارسة    ختام رائع لمهرجان كؤوس الملوك والامراء 2025    ناويا إينوي يحافظ على لقبه العالمي في ليلة الساموراي بمحمد عبده أرينا    إصابة خالد ناري بكسور في القفص الصدري بسبب حارس النصر    أفراح التكروني والهوساوي بزواج محمد    ضمن جهودها لتعزيز الرقابة الصحية.. جولات رقابية لمراكز فحص العمالة الوافدة    القيادة تعزي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وفاة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ومرافقيه    عصير يمزق معدة موظف روسي    مختص: لا ينصح بأسبرين الأطفال للوقاية من الجلطات    وزير الداخلية: يطمئن على صحة رجل الأمن الجندي ريان آل أحمد    إطلاق 61 كائنًا بمحمية الملك خالد    أمير المدينة يتفقد العلا    بيش تُضيء مهرجان شتاء جازان 2026 بهويتها الزراعية ورسالتها التنموية    وزير الداخلية تابع حالته الصحية.. تفاصيل إصابة الجندي ريان آل أحمد في المسجد الحرام    تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وزير الداخلية يطلع على مبادرات الجوف التنموية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فرانتز فانون... الشاهد على الآمال الإنسانية التي لا تنضب
نشر في الحياة يوم 14 - 12 - 2011

ثمة فكرة وردت في أعمال فرانتز فانون لن تأفل ولن تسقط مع مرور الزمن: قدرة كل كائن حي وكل شعب على النهوض وكابة حصته من تاريخ العالم كتابة تنهل من لغته وأعماله. فالتوق إلى الحرية ألزم الشعوب والأفراد مكافحة الكولونيالية الاستعمارية. والانتفاضة والتمرد هما فرض على الأشخاص والشعوب.
يتحدر فانون من جزر المارتينيك، والتحق بالقوات الفرنسية الحرة في الحرب العالمية الثانية، وانضم إلى الجزائريين في حرب الاستقلال. مساره المتشعب والمتناقض هذا لم يكن ثمرة تخطيط، بل ثمرة تضافر ظروف وتقاطعها.
ففانون صادف الحرب، وكان شاهداً على العنصرية والعنف الاستعماريين اللذين حملاه على العدول عن انتسابه إلى أصوله الفرنسية، وانطلق في رحلة البحث عن نوع آخر من الأخوة. وأبرز أشكال العنف الذي واجهه فانون هو تعذيب الجيش الفرنسي المنظم للمقاومين الجزائريين. وهو جازف بحياته دفاعاً عن فرنسا الحرة ضد النازية. لكن فرنسا أصابته بالخيبة. فهي مارست التعذيب في حرب بربرية لا اسم لها ضد شعب آخر أنكرت حقه في الوجود وتقرير المصير.
وهو رفع لواء الثورة الأفريقية، ولم يناضل من أجل استقلال جزر المارتينيك، مسقط رأسه. وهو لم يكن مارتينيكياً فحسب، بل فرنسياً وجزائرياً وأفريقياً كذلك. فهو إنسان في هذا العالم. وشاءت الأقدار أن تنحل عقدة الاستعمار الحديث في الجزائر وكامل القارة الأفريقية، وليس في المارتينيك. وربط فانون مصيره بمصير جميع «معذبي الأرض» أو «مستضعفيها»، وسعى في تغليب كفة الشعوب المضطهدة في أفريقيا.
اُتهِم فانون بأنه دعا إلى العنف في «معذبو الأرض». وهو رأى أن الاستعمار فعل عنف، وحسِب أن الانفلات من قبضته غير ممكن من غير طريق العنف الحاد. ولا يسع المرء فهم خطاب فانون عن العنف التحرري إذا استخف بفعل القتل الأول الاستعماري الذي لا مفر من رد المُستعمَر عليه. توجه فانون إلى شعب واقع في أسر التاريخ الثقيل وعالق في وضع لا يحتمل، ودعاه إلى التحرر من قبضة هذا القيد الثقيل ليبلغ معنى حياته الإنسانية.
القضايا التي تصدى لها فانون وثيقة الصلة بالكفاح ضد الاستعمار: ما هي سبل الخلاص من نظام الهيمنة السياسية والاقتصادية الاستعمارية؟ وما هي شروط ارتقاء أفريقيا سيدة نفسها ومركز نفسها في عالم متعدد القطب في وقت تسعى الشعوب الخارجة من قبضة استعمار مديد إلى صوغ نموذجها الخاص وتقترح على الإنسانية لوناً جديداً من التضامن؟ ولم يزعم فانون الحياد.
فالمعرفة التي اقترحها هي بنت أوضاع معينة وزمان دون غيره. وهو رمى إلى مواكبة الكفاح ضد الاستعمار، وإلى علاج من ذهب عقله نتيجة التعذيب والمعاناة وشفاء الصدمات النفسية. هو مصدر وحي لم ينضب في أفريقيا، بينما أعماله في فرنسا تقتصر على فكر العالم الثالثي.
إثر هزيمتها في الجزائر وخسارتها امبراطوريتها الاستعمارية، تقوقعت فرنسا الرسمية على نفسها، وحل عليها شتاء ثقافي في وقت تعاظم تنوعها المجتمعي، وعلت أصوات الأجيال المتحدرة من العبودية والاستعمار مطالبة بألا تقصى من التاريخ الوطني. وفي الربع الأخير من القرن العشرين، فات فرنسا الرسمية التيارات الفكرية ما بعد الاستعمارية والنقدية العرقية. ولم تتبنَ فرنسا هذه فانون واحداً من أبنائها، على رغم أنه حارب دفاعاً عنها ضد النازية.
لكن كثراً نظروا إلى «انقلابه» عليها في حرب الانفصال، وهي حرب الجزائر، على أنه خيانة. لكن «الخائن والمهرطق» انبعث اليوم في العالم. فهو ارتقى شأن كثر إلى مرتبة الكاتب الأيقوني العالمي. وثمة تيار فكري نقدي يستوحي فكره في صوغ بحوث في العلوم الإنسانية والاجتماعية في أفريقيا والولايات المتحدة وجزر الكاريبي الأنغلوفونية وفي آسيا وأميركا اللاتينية.
وتستوحي حركات اجتماعية في أفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية والولايات المتحدة نظريات فانون عن سلطان الجماعات، وفضائل الثورة العفوية الاجتماعية، من غير قائد ومحرك غير إرادة الشعب وضراوة البورجوازية. وفي علم الأمراض الدماغية والعقلية، تربط تجارب بين العلاج النفسي والنضال من أجل العدالة الاجتماعية والعرقية في أوساط المهاجرين.
فانون هو الشاهد على الآمال الإنسانية التي لا تنضب.
* فيلسوف كاميروني وناشط سياسي ومنظر ما بعد الاستعمار، عن «لوبوان» الفرنسية، 5/12/2011، اعداد منال نحاس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.