حقّق الإسلاميّون المصريّون فوزًا كبيرًا في الجولتين الأولى والثّانية من الانتخابات.. الغرب والعالم شُغل بالمشهد: يتحدث قليلاً عن "الفائز" ويتكلّم بالتفصيل عن الأداء الديموقراطي للمصريّين.. والطّبقة السّياسيّة "المدنيّة" في مصر مشغولة بترويع المصريّين من النتائج: هُزمت في الشّارع، فعادت إلى عادتها القديمة إلى الفضائيّات، تعيد إنتاج ذات الأفيهات الجاهزة عن الدّولة الدّينيّة والظلاميّة وحكومة "الملالي" المتوقّعة بعد أن تستكمل الانتخابات دورتها! لم يعد خافيًّا على أحد نزعة التّطرّف المتنامية داخل مجتمع النّخبة "المدنيّة".. المجتمع الدّولي وتعقيبًا على النتائج، يرى أن الإسلاميّين سيتصرّفون ب"مسؤوليّة" حال وصولهم إلى السّلطة.. فيما سجّل ملاحظته بشأن اللّيبراليّين المصريّين، بصفتهم تيارًا انقلابيًّا معاديًا للدّيموقراطيّة، ويميل إلى فرض وصايته على المجتمع بعيدًا عن صناديق الاقتراع. المصريّون كسبوا معركة التّحدي.. ما حدث وسط القاهرة من عمليّات عنف.. ومحاولة اقتحام (15) مديريّة للأمن في المحافظات وقبل إجراء انتخابات الجولة الأولى بأيّام، ثم محاولة اقتحام مباني سياديّة لاحقًا مع اقتراب الجولة الثّانية، وأثناء إجرائها.. لم يستطع كسر إرادة غالبيّة المصريّين في أن يجتازوا اختبار الديموقراطيّة بنجاح انتزع إعجاب العالم.. لم يخفَ على المراقب، علاقة النّسب بين إشعال الحرائق قرب كلّ مبنى له دلالة أمنيّة وبين مخطّط مدروس ومنظّم للحيلولة دون إجراء الانتخابات.. لقد وضع أدعياء التّنوير والعقلانيّة والدّولة المدنيّة المصريّين أمام خيارين في غاية الرّخص والهمجيّة: تعليق الانتخابات.. وإلاّ إحراق البلد والدّفع بها إلى أتون الفوضى. لا تريد النّخبة "المدنيّة" التّدقيق في نتائج الانتخابات، بعيدًا عن علاقات الثّأر والكراهية للخصوم الإسلاميّين.. لا تريد أن تتأمّل مغزى فوز مرشّحي الكتلة المصريّة التي يتزعّمها رجل الأعمال نجيب ساويروس.. أو فوز اللّيبرالي البارز عمرو حمزاوي على مرشّح الإخوان المسلمين د. محمد سعد أبو العزم في مصر الجديدة بفارق كبير من الأصوات.. وهزيمة بعض رموز التيّار السّلفي أمام مرشّحين من تيارات "مدنيّة" وفي مناطق ودوائر تتميّز بحضور إسلاميّ كبير! صحيح أن التّيّار الإسلامي حقّق انتصارًا كبيرًا في غالبيّة الدّوائر.. ولكن لا ننسى بأنّ الكتلة المصريّة جاءت تاليًا .. وفي بعض الدّوائر جاءت الكتلة في ترتيب متقدّم على التيّار السّلفي. المسألة هنا لا تتعلّق إذن بالعواطف كما يعتقد البعض أو بتدنّي الوعي عند المصريّين، وإنما بقدرة النّشطاء على "التّصالح" مع المجتمع واحترامه، وتجنّب إهانته والاستعلاء عليه، أو الصّدام مع معتقداته وتاريخه وثقافته وهويّته الحضاريّة.